حين التفكير بذكر حقبة من الزمن، قد مرت على الشعب العراقي، يتبادر إلى ذهنك مصادرة الحقوق، والحريات، والحروب، والحصار الإقتصادي، والإعدامات، والمشانق، والثرامات البشرية، وأحواض التيزاب؛ وغياهب السجون، والتشوهات الجسدية، والقرارات الإرتجالية، والقضاء الذي لم يقضي إلا بصالح السلطة آنذاك، ويحكم بما تريد العصابة الحاكمة التي تربعت على صدورنا عقود.. النظام السابق الذي سخر جميع مؤسسات الدولة، وجعلها أداة قمع، وتضيق على ابناء الشعب العراقي، ولا سيما المؤسسة القضائية؛ التي هي تكون من المفترض مؤسسة مستقلة تحكم بالعدل، والقوانين الوضعية التي وضعها الدستور للدولة، ولا تتأثر بالسلطة الحاكمة، أو جهة معينة، ومن المفترض أن تميل مع العدل؛ حيث ما مال.. السلطة القضائية في حكومة البعث، الذي قبعنا تحت حكمة أكثر من ثلاثة عقود، هي عبارة عن أداة قمع، حيث كانت تجري في أروقتها الأحكام بالجملة، فقد يتقدم أمام القاضي العشرات من الأبرياء، والذين ليس لديهم أي جريمة، أو شبهه، وإنما أصحاب الفخامة بحاجة إلى وجبة عشاء، إلى الأسماك، والأسود المفترسة.. حيث يقوم القاضي بوضع رجل صاحب البشرة السوداء في المنتصف، وينطق بالحكم من على يمين أبو سمرة إعدام، ومن على يسار أبو سمرة مدى الحياة، ومن خلف أبو سمرة مؤبد؛ هكذا كانت الأحكام التي كان يحكم فيها النظام البعثي، ولا سيما وهناك عشرات الأحكام التعسفية، وفي مقدمتها قطف، والتشوه الجسدي.. فقد شرع القضاء آنذاك بقانون كل من رفض البيعة إلى البعث، والحروب العبثية، تقطف أذنه، وكان هذا القرار من السلطة القضائية، ومبارك من قبل معظم القضات الأخرين، الذين اليوم يحتلون مراكز متقدمة في العراق الجديد، وعلى سنام السلطة القضائية التي هي أساس العمل الديمقراطي، ومؤتمنة على مكتسبات الشعب، ومقدرات البلاد.. أن فسدت السلطة القضائية أفسدت جميع مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الكابينة الحكومية، والسلطات الثلاثة، التشريعية، والتنفيذية، والرئاسية، ويبدو إن هذه المرة الكابينة السياسية هي التي أفسدت السلطة القضائية، كون القائمين عليها ملاحقين قانونياً، وأصبح لا خيار أمامهم إلا إعلان الولاء، والطاعة للمؤسسة التنفيذية؛ من أجل بقائهم على سنامها مدى الحياة.. هذا الأمر الخطير الذي يريد أن يعيد العراق إلى المربع قبل 2003، وينسف جميع ما تحقق من تقدم في العملية السياسية، ولا سيما التغيير، والإصلاح الذي شرعت فيه الكابينة الحكومية، منذ اليوم الأول لتغيير" المتشبثين في السلطة"، لأبد أن يطال هذا التغيير المؤسسة القضائية، وإزاحة المتشبثين، وأصحاب القرارات، وقاطفي" الاذنين"...
|