المثلث المؤذي للعراقيين



الكثير من بسطاء المواطنين والفقراء ...يموتون ولا يدركون حقيقة وهوية من السبب في موتهم ...وحسب قناعتي الشخصية ان الكثيرين يدفعون حياتهم لتظافر ثلاث عوامل وتسبب الموت ...وعند السؤال الكل تجيب
.. مات المرحوم او المرحومة بعد مرض عضال ...
ولكن لو تمعنا فيما ينتشر من امراض في العراق هذه الايام والتي قد تؤدي بالنتيجة الى الموت الزؤام نجد في الحقيقة ثلاثة مسببات اساسية من مجموعة طويلة عريضة لامجال للتطرق اليها اليوم ... وبالظاهر لاعلاقة بينها ولكن في الواقع توجد علاقة وثيقة بينهم ...وفي الوقت الذي لاتجد هذه العلاقة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وروسيا او اوربا ...بينما تجدها واضحة بالعراق ...ولاسيما برزت هذه الظاهرة بعد الاحتلال وسنوات الحروب العبثية السابقة التي خضناها ...ولاسيما بسبب الفوضى الخلاقة التي سادت البلد ...والان اصبح من العسير وربما من المستحيل على الحكومة او المواطن معالجتها ..
ما اقصده بمثلث الموت الملعون والمؤذي للعراقيين ...هو المرض والجهل والجشع
1- المرض
قبل خمسين سنة اصبت بمرض بسيط ولعلاجه كنت احتاج الى اخذ مضاد حيوي ..وكانت انذاك المضادات الحيوية معدودة واشهرها البنسلين ...وكان لي انذاك صديق وهوطالب في كلية الطب شرحت له اعراض المرض فنصحني بقوله ( بسيطة ..اضرب ابرة بنسلين وهسة تطيب ) ..وفهلا اشتريت ابرة من الصيدلية والتي كانت تنتشر معظمها في شارع الرشيد وبالذات في منطقة راس القرية ...
وذهبت لاحد الممرضين القريب من الصيدلية وحقنتها وذهبت للبيت ..
وفي اليوم الثاني اختفت اعراض المرض ...ولكن بعد اسبوع او اسبوعين واذا بالمرض يعاودني وبشدة مزعجة .. وبالصدفة التقيت بابن عمة لي خريج علوم بكتريولجي ..وعندما اخبرته بقصة مرضي ... فاذا به ينهال علي لوما وتقريعا واذكر لحد الان عبارته ( انته مثقف وطالب كلية وتروح تاخذ دواء بكيفك موعيب ) ...وعندها بدأ يشرح لي كيف يتفاعل المضاد الحيوي مع الجرثومة ...واذكر جيدا خلاصة نصيحته ...( هذا قبل اكثر من خمسين سنة )
اولا - لايؤخذ المضاد الحيوي الا بتوصية طبيب
ثانيا – يجب ان يؤخذ العلاج بجرعة كافية وللمدة التي يوصي بها الطبيب لكي تقتل الجرثومة وان لم تكن كافية فان الجرثومة تتحصن ضد المضاد الحيوي وعندها تحتاج الى مضاد حيوي اخر واقوى كي يقضي على الجرثومة ..
ثالثا – وان كانت هناك امكانية معرفة تحسس الجرثومة لاي نوع من المضاد ات عن طريق التحليل المختبري فنتائج العلاج اضمن ...
وقد حدثني العديد من اصدقائي الذين اسعدهم الحظ بالعيش في الدول المتقدمة ...في تلك الدول لايمكن باي حال من الاحوال ان يحصل المريض على مضاد حيوي الا بوصفة طبيب ...ولو عدنا اليوم الى عراق الفوضى والمأساة ...يمكن للمريض ان يحصل على المضاد الحيوي من اية صيدلية وحتى في بعض الاحيان بدون وصفة طبيب ...ويقال والعهدة على الرواة ان الكثير من الادوية تباع في البسطات وعلى قارعة الرصيف او بالقرب من المستشفيات ...ومن اردأ النوعيات وبعضها مغشوش ..
ويلاحظ هذه الايام ..انك عندما تمرض وتراجع طبيب ثاني لان الاول لم ينجح في علاجك ...يصف لك دواء اخر بحجة ان الدواء الاول لم يشتغل عندك .وفي كثير من الاحيان الوصفة تعتمد على القناعة بالاعراض المرضية وبدون فحوصات مختبرية ..والدواء يوصف على الثقة ..مثل فتاح الفال ..لو تضبط لو تفلت ..ويقال ان بعضهم يصف دواء لكل الاحتمالات المرضيةوبالجملة ..ولحمل الدواء تحتاج الى حمال ..ولكي لا اسيء للاخيار من الاطباء فهؤلاء موجودين ولايمكن ادراجهم مع من يصف الادوية بالجملة او ممن متفق مع صيدلي بجوار عيادته ...وللاسف فان العراق قد خسر الالاف من فطاحل الاطباء بسبب الارهاب الملعون والطائفية
2- الجهل
الراس الثاني من مثلث اذية العراقيين هو الجهل ...لا احد ينكر او يدعي ان معدل الجهل عند العراقيين بدأ يزداد لاسباب عديدة منها زيادة عدد السكان ..وتردي الحالة الاقتصادية للمواطن ...تراجع الحس الوطني عند المثقفين ...الفساد الاداري ..وضع الشخص الغير مناسب في منصب غير مناسب والكثير من السلبيات الاخرى والتي لامجال لتعدادها هنا ومما سبب تخلف ملحوظ وتراجع في الخدمات الطبية على مستوى العراق كله ...ولا ادل على ذلك ...وزارة الصحة العراقية وقبل اكثر من اربعين سنة ..اصدرت دفتر صحي لكل مواطن ومن اول يوم لولادته ..والاهم من كل هذا نقص الثقافة الاجتماعية والعامة وهذا ايضا ليس موضوعنا اليوم ..
اما ما اريد الفات نظر المواطن عامة والمرضى خاصة واتجاوز فكرة المؤامرة ومخططات قتل العراقيين المبرمج ...لكن الجهل واهمال الكادر الصحي ..وبدون تعمد من المرضى اعتقد شخصيا ان الكثير من الجراثيم والفيروسات المسببة للمرض والمنتشرة بالبيئة العراقية وبسبب الجهل الصحي ...قد تحصنت ضد المضادات الحيوية وحتى ضد العلاجات الخاصة ..وهنا لا ادعي شخصيا انني مختص في مجال الصحة العامة ..ولكن كل المؤشرات المنطقية تشير الى ذلك وبالامكان ان تستعين حكومتنا الموقرة بمنظمة الصحة العالمية ...لاجراء فحوصات مختبرية ...وانني واثق بانها ستكتشف اسلحة جرثومية وفيروسية محصنة ومدرعة ومقاومة للمضادات المعروفة ولم يسبق لاحد ان اكتشفها ...بسبب التلوث البيئي وفساد ضمائر من له علاقة ..ومن لايصدق ليذهب الى مدارس الاطفال ليرى كم نسبة عدد المرضى بينهم ؟؟ الكل تسعل وتعاني من الرشح ..والنحول العام .. والغباء الواضح ..وكل هذا بسبب الجهل وغياب التوعية الصحية للمواطنين ...ولاسيما في بلد فيه مليونين نازح وثلث السكان عاطلين ونصفهم تحت خط الفقر ..والحرب ضد الارهاب تحرق الاخضر واليابس ..
3- الجشع
الراس الثالث من رؤوس مثلث اذية العراقيين ...لايخفى على احد ما للدواء من دور مهم في علاج المرض ..ولكن للاسف وبعد الاحتلال وانتشار الفوضى الخلاقة في كل مجالات الحياة عند العراقيين ...وانتشار الفساد بحيث اصبح البعض من ذوي النفوس الضعيفة لاهم لهم الا كسب المال بكل الوسائل بما فيها اللامشروعة واللااخلاقية واللاانسانية ...وعلى حساب الوطن والمواطن ..
كان قطاع الصحة من خيرة القطاعات الانسانية في العراق ...والى درجة كان مضرب الامثال والاعتزاز حتى في الغرب المتحضر والعرب المتخلف ...وفي كل مجالات الاختصاصات الطبية ولاسيما في قطاع الادوية .. كانت الادوية محصور استيرادها بخيرة الاخصائيين في هذا المجال وبوزارة الصحة حصرا ..ومن ارصن واشهر مصانع الادوية في العالم ... ولكن للاسف يقال اليوم ان استيراد الادوية وتوزيعها يتم بواسطة (الكرعة وام الشعر وحتى البقالين ) كما يقول العراقيون ومن بينها الفاسد او المنتهية صلاحيته ويقال ان الكثير من الادوية التي تستوردها الدولة للمستشفيات تسرب للاسواق المحلية وتباع باسعار خيالية ( تلعن امه وابوه للمريض واما الفقير فله الله وينتظره حفار القبور )...كل هذه الحالات والتي تعتبر جرائم ضد الانسانية .. وبنفس الوقت لا توجد رقابة حكومية او سيطرة نوعية وابواب كمركية مفتوحة على مصاريعها ...وحتى لو أمسكت مخالفة بالصدفة ...فالمخالف سينجوا من العقوبة والمحاسبة بفضل ( التوريق بالدفاتر الدولارية الخضراء ) ...
انا اعرف انني انفخ في قربة مثقوبة (كربة مزروفة ) وقد يقرأه احد وقد لايقرأه ...فالمثلث المؤذي للعراقيين ( المرض - الجهل - الجشع ) قد ضرب اطنابه بين العراقيين ...واقولها وبصراحة ...ان الانسان العراقي وبغض النطر عن دينه او طائفته او قوميته ...سيصاب بنكسة وكارثة انسانية وصحية ( لاينبت عليها شعر ) كما يقول العراقيين ولا ياكلها غير الفقير والمعدم من ابناء هذا الشعب المظلوم ...
واكررها وسابقى اكررها ان الايادي الخفية المعادية للعراق وكل شعبه وبدون استثناء لمكون بعينه والتي قتلت ولا زالت تقتل الاطباء والعلماء والمفكرين واساتذة الجامعة والمثقفين والمحامين والاعلاميين والضباط ... والتي دمرت المدن والمساكن والمصانع ..هي نفسها التي اوصلتنا الى هذه الحال التي يرثى لها ...ولكن لا احد يعترف بذلك ...
منذ احد عشر سنة مرت على العراق ومنذ الاحتلال الاول وحتى هذه الايام التي بداية الاحتلال الثاني ( وما دام فرض علينا ببركة الدواعش وحلفاءها ومن خلال زيارة السناتور جون ماكين وتسليح العشائر ...اقول عسى ان ينتبه المحتلين الجدد ويصححوا اخطاء الاحتلال الاول ) ولاسيما نفس الرموز والقيادات والاحزاب وكلها تعرف ما يجري وبالارقام وليس مثلي على السماع والحدس والتنبؤ ومن يغذي التكفيريين والمتعصبين دينيا وقوميا ويستنزفون لقمة عيش المواطن ...وليس في نيتهم انقاذ هذا الشعب المظلوم من مستنقع الجهل والمرض والجشع ... والا بماذا نفسر مثلا شكوى الدكتور العبادي من ان بعض الوزراء لايوافقون على تخفيض رواتبهم ومخصصاتهم ؟؟؟ او يرفضون محاسبة من باع ثلث العراق ؟؟؟ والنازحين يموتون بالبرد والعراء ؟؟والله اسئلة محيرة وما ألها حلال ..
فهل عرفتم حقيقة المثلث المؤذي للعراقيين ؟؟؟ وهناك ايضا مسدس ومثمن والعديد من الاضلاع ...بس ما اريد ادوخكم بها مرة واحدة ... لان هذا المثلث الملعون اعاني منه شخصيا وعائلتي والكثير من العوائل التي اعرفها او القريبة مني ...( حجي بقلبي واريد افضفض بيه قبل ما اموت )
اللهم احفظ العراق واهله اينما حلوا او ارتحلوا