لا احد يقول لك لا تشجب إساءة بعض الإعلاميين الغربيين للإسلام ونبيه. كلنا سنشجب أعمالهم تلك حينما يكون الشجب إنسانيا وبطريقة يفهمها ويستوعبها الإنسان الغربي. وحينما تسألتني هل أخطأت المجلة الفرنسية حينما نشرت رسوما تسيئ إلى النبي محمد فسأجيبك, نعم أخطأت كثيرا. إن رأيِ هذا لا يأتي تعاطفا مع الطرف الذي أساءت إليه هذه الرسوم, وإنما بسبب الإرباك الكبير الذي تخلقه على صعيد الحرب ضد الإرهاب. وفرنسا نفسها, حكومة ورأي عام, تقول انها تعتبر تلك المعركة معركة عالمية مركزية وهي تشارك عسكريا وسياسيا في التحالف الدولي الذي شكل لغرض محاربته, لذلك فإنها يجب أن تحتاط لكل ما من شأنه ان يدعم ثقافة الإرهابيين التي تقدم نفسها على أنها تدافع عن نبي الإسلام وتغضب ممن يسئ له. ولن يكون مستغربا ابدا إذا ما وجدت تلك الثقافة كثيرا من أوراق قوتها بوجود الإطروحات المسيئة تلك. والتفارق مع منهج النبي محمد أو المسيح أو موسى أو بوذا, أو نقد سننهم, مسموح له في عالم الفكر لا السياسة, خاصة حينما يكون السياسي قائدا لدولة أو ناشطا سياسيا في مجتمع مركب, أو في دولة علمانية تحترم جميع الأديان كقضية مبدئية واحدة ولا يجوز تجزئتها. في الأولى, اي في عالم الفكر, ينسجم حق التناقض والتفارق مع نسميه هنا حرية الفكر والإعتقاد والتعبير لكنه في الثانية يخضع لمسؤوليات أخلاقية وقانونية تجعل السياسي في حل عن حقوق المفكر المطلق السراح ومقيد بما قد يتسبب عمله من اضرار لدولته ومجتمعه. وفي حالات عديدة إن ما يجوز للمفكر, الذي يسعى لبناء حقائق تاريخية, لا يجوز للسياسي الذي يتعامل مع حقائق يومية ويسعى لبنائها تدريجيا. مثلا مسموح لرئيس فرنسا الحالي حينما يخرج من الحكم أن يمارس إعتقاداته بالطريقة التي يؤمن بها على شرط إلتزامه بالمفهوم العام للحرية الفردية, ولكنه في منصبه غير مسموح له ان يتصرف كفرد وإنما عليه ان يتصرف كدولة في علاقته بالقضايا ذات المساس بمصلحة الدولة واخلاقياتها ومناهجها. ولكن هل سينطبق ذلك على الإعلامي مثلما ينطبق على السياسي ؟!. (لعم) ينطبق. و(لعم) هي نعم ولا في نفس الوقت. جزء النَعَم فيها يتأسس على أن مهمة الإعلامي الأخلاقية على الأقل يجب ان لا توضع في خدمة اي عمل يتسسب بالضرر لمجتمعه. وتشجيع الإرهاب ربما يجري بعكس القصد والنوايا في بعض الأحيان حينما لا يشخص الإعلامي المساحة التي تكون فيها حرية التعبير هي حرية عبثية ومتقاطعة سواء مع المصلحة الذاتية لمجتمعه الوطني أوتلك العامة ذات العلاقة بمجتمعه الإنساني. وسأتدارك سوء الفهم هنا لأقول اني لا أريد بطرح كهذا أن يأتي على طريقة (كل شيء من أجل المعركة) التي غالبا ما يكون هدفها غلق الأفواه ومنعها من التصدي للأنظمة المستبدة, كما أنه لا يغفل حقيقة الإلتزام بحرية التعبير التي يحترمها الغربيون ولا يفرطون بها تحت أي ظرف, وهو لا يتأسس أيضا على جهل بطبيعة العلاقة ما بين الحكومات الغربية والإعلام. إلا أنه, مع وجود ذلك كله, لا يتقاطع مع حقيقة أن حرية الرأي ستكون حرية عبثية إذا ما لم يحسب صاحبها مقدار ما تؤدي إليه من أضرار على صعيد ما نتفق عليه جميعا أنه يشكل في هذه المرحلة قاسما مشتركا إنسانيا أعظم, وأعني به الحرب ضد الإرهاب. ولا أظن أن إعلاميا مبتدئا, سواء كان رساما أو كاتبا يجهل أصول اللعبة وأساليب إدارتها. فإن جهل ذلك, فإن البكاء عليه لا يمنع من الإشارة إلى خطئه. وهكذا فإن شجب الجريمة والقاتل, وهو مطلوب, لن يلغي الحاجة إلى تبيان خطأ الضحية وتنبيه المخطئ, وحتى إلى ردعه, حينما يتبين ضرر أخطائه على الهدف الإنساني الأخلاقي وتناقضه مع إحتياجات المعركة من أجل تحقيقه. ولعلنا بحاجة إلى التمييز بين ما هو إعلامي وما هو فكري, ففي حين يكون العمل الفكري غير مقيد وذا سمة تاريخية, فإن الإعلامي يكون مقيدا بهدفه اليومي الأخلاقي, ولا أقول بضوابط قانونية تقيده وتلزمه بحدود خاصة. إن خروجه على قواعد المهنة الأخلاقية يجعله يتحمل إلى حد كبير تبعية أعماله مثلما يلزمه قبلها بحساب ما تسببه حريته من اخطار على مجتمعه وعلى الإنسانية حينما يكون ما يكتبه أو ما يرسمه منفلتا عن حدود اللعبة ومتأسسا على فهم ساذج لحرية التعبير. وتبقى هناك مسألة على جانب كبير من الأهمية, وهي ضرورة ان لا نكون رعاعا في التعامل مع الحدث وأن لانخلق منه مناسبة لجلد الذات, أو لردة فعل تقوم على رفض غير واع وعلى إستجابات تلقائية مفتوحة المصاريع, فمثلما يتوجب علينا إدانة العمل الإرهابي بكل قوة فإن علينا أيضا إدانة كل عمل يضع في يد الإرهابيين أوراقا للقوة ومنها تلك التي تتعامل مع حرية التعبير بطريقة عبثية. وإن حدثا كبيرا كهذا يجب ان لا ينسينا الطريقة السليمة للتعامل مع اللحظة الفاعلة. وأجزم أن عدد الفرنسيين المستعدين للإستماع إلى صوت الحقيقة هو عدد كبير, ويبقى ان نبحث عن الطريقة الأفضل للوصول إليهم لبناء قناعات إنسانية مشتركة
|