الرائع أزهر جرجيس عرض على صفحته في الفيسبوك عصر هذا اليوم منشورا عن تلميذ كان معه في الأبتدائية ، لم يتمكن من تنفيذ أوامر المُعلّم بحلافة شعر رأسه .. فعاقبهُ المعلّم عقوبةً دفعتهُ لأن يبول على نفسه من الخوف . ومن ساعتها صار إسمه " عزّوز أبو بولة " . على ذات المنوال .. و في مدرسة الخيزران الأبتدائية في الكرخ القديمة ، كانت الست " سريّة " عبارة عن كتلة من القسوة والغضب . وعندما ترتكب التلميذة ادنى خطأ ، كانت الست سريّة تمسك بضفيرتها بيديها الأثنتين ، وتطوّح بها في الهواء ، قبل ان تضربها بسطح السبورة المعفّر بالطباشير . اما التلاميذ ، فلم يكن امامهم سوى الهرب باقصى سرعة ممكنة من الصفّ ، عند اول اشارة من عدم الرضا ، تصدر عن وجهها الصارم . أمرَتْ الست سريّة الأولاد بحلافة شعرهم ( نمرة اربعة ) كالجنود ، خوفاً من انتشار القمل بين التلاميذ . امّا البنات فهدّدتهم بتفتيش شَعرٍ علنيّ ، بحثاً عن " صوابةٍ " واحدة . فإن وجدتها ستحلّ عليهن اللعنة .. ويالها من لعنة . تم منح الجميع مهلة يوم واحد لتنفيذ الأمر .. وسيكون " التفتيش " صباح الغد .. في ساحة المدرسة . في بداية الستينيات من القرن الماضي ، كانت كلفة الحلاقة خمسون " فلساً " فقط .. أي " درهم " واحد . لم يكن في البيت عصر ذلك اليوم .. فلسٌ واحد . أخذت " القرآن " خلسةً ، وتسلّلتُ من البيت راكِضاً إلى مقبرة الشيخ معروف القريبة من بيتنا في محلة " الشيخ علي " . وجدتُ بعض الزبائن : - هل تعرف تجويد القرآن ياولد ؟ - نعم عمّي .. نعم خالتي .. وسورة " ياسين " بالذات . وهكذا .. تجويدٌ بصوتٍ أخنّ .. بتقليد بائس لـ ( عبد الباسط عبد الصمد ) .. وستة قبور .. وستّون فلساً .. حصيلة سورة ياسين ، إلى غروب الشمس . ومن المقبرة .. وأنا أهرولُ ، وبيدي القرآن ، إلى محلّة الرحمانيّة . حلاقةٌ سريعةٌ ورائعة بخمسين فلساً..و قطعة كبيرة ولذيذة وساخنة من المكّاوية" بعشرة فلوس . ثم عدتُ الى البيت . كانت نكهة " المكّاويّة " مُذهلة . وطعمها لايزالُ عالقاً في فمي إلى هذه اللحظة . أمّي كانت نائمة . ولم يعد أبي الى البيت بعد . وفي صباح اليوم التالي .. كان رأسي يلمعُ في ساحة المدرسة . وكانت الست " سريّة .. تبتسمُ لي . وكان القملُ وحده .. قد مات من الخوف .
|