الزوراء وفساد القضاء

ما زلتُ أتذكر المسلسل السوري الشهير(رجال القضاء) الذي عُرض في ثمانيات القرن الماضي، والذي كان يتعرض في كل حلقة من حلقاته الى سيرة احد القضاة المسلمين عبر العصور الاسلامية، حيث كان أغلب من تسلم هذا المنصب(قاضي) رافضاً له، ولا يتم تنصيبه إلا وهو كاره لهُ، ولسانهُ يقول: ذُبحت رقبتي بغير سكين، عبارة كانت تشكل لي لغزاً محيراً!

كبرتُ وعرفتُ قيمة القضاء ومعنى العدالة، وفهمت مغزى رفض أغلب الفقهاء تسلم منصب القاضي، حيث أن الحكم في المسائل يجب ان يكون عن فحص وتدقيق وان يجري الحكم واصداره وفق عدة تشريعات توافق المسألة المعينة وفوق كل هذا وذاك النباهة والفطنة والدراية والألمام بأمور القانون والمجتمع قبل ان يخطو القاضي خطوة واحدة اتجاه تكوين حكم، فكيف في اصداره!؟

عرض لنا القرآن الكريم مسألةً قضائية حكم فيها نبيان هما داود وابنه سليمان(على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام) وهي قوله تعالى(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً (79)الانبياء)، فقال داوود(حكم): لصاحب الحرث رقاب الغنم، وقال سليمان(حكم): ينتفع بدرها ونسلها وصوفهاالى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحبها فيردها إليه، فكان حكم سليمان أكثر رحمة وأكثر ملائمة لوضع المتخاصمين.

لماذا ذهب احترام الذات والرحمة من قلوب القضاة!؟

ماذا يحصل في بلد فسد فيه القضاء!؟

من يحاسب القضاة الفاسدين!؟

أسئلة دارت في ذهني وهي ليست وليدة الصدفة، فانا عراقي واسكن في بلد الحضارات.

العراق بلد الحضارات التي كانت اول من وضع القوانين والتشريعات من اجل حفظ وصيانة الحقوق، بات اليوم يختنق جراء تلوث القوانيين بقضاة سفلة لا يمتون للانسان والانسانية بأي صلة، يصدرون أشد الاحكام قسوة بحق الناس ارضاءً لهوى المسؤولين والسياسيين، واستجداءً لما تهبه ايديهم من اموال الشعب المسروقة، فغدوا كالكلاب تلهث في كل الاتجاهات، ليس لهم دين أو واعزٌ من ضمير.

يعز عليَّ أن اقولها أن القضاء في العراق فاسد وقضاتنا فاسدين، كيف لا ومن يجلس على قمة هرم القضاء هو(مدحت المحمود) القاضي الذي ظلمنا ابان حكم الطاغية المقبورواستمر ظلمه الى يومنا هذا بفضل حكومات حزب الدعوة المتعاقبة!؟

يقال ان احد الزعماء بعد خسارته الحرب سئل عن القضاء والتعليم في بلده، فقالوا له: انهما بخير، فقال: اذن بلدنا بخير، ونقول: ان التعليم والقضاء فسدا بالعراق، اذن بلدنا ليس بخير.