في سوسيولوجيا المجتمع الكردي العراقي/1 |
نفتقر ( مع الاسف ) ، وخصوصا في العراق الى الدراسات والبحوث والبرامج والسياسات الاجتماعية العلمية الموضوعية المكثفة والمعمقة التي تتناول شخصية الفرد، والجماعة الكردية في شمال العراق على عدة اصعدة فكرية ثقافية وعقدية دينية وسلوكية اجتماعية ، وفلكلورية وفنية ولغوية واقتصادية وسياسية ، وعرفية تقاليدية و ....الخ !!. ومع ان التعارف بين الشعوب والامم والقوميات والاديان والمذاهب و ...الخ التي توفره مثل تلك البحوث والدراسات العلمية الاجتماعية من ضمن ابرز السنن والقوانين الاجتماعية والتاريخية وحتى الدينية التي تساهم في هدم الهوه ، وردم متباعداتها بين التناشزات ، والانقسامات البشرية بصورة عامة ، والتناقضات الاجتماعية ، لاي وطن ، ودولة بصورة خاصة ، ويساهم (هذا التعارف من خلال البحث والدراسة ) بالفعل بخلق نوع من الانسجام ، والتعايش والتفاهم بين هذه التنوعات الانسانية ، الا انه مع ذالك بقيت تلك الدراسات ، والبرامج والبحوث العلمية في العراق خصوصا مفتقرة ، وناقصة وغيرتامة بل مشوهة وعاجزة عن تبيين ماهو موجود ، وقائم من شخصية المجتمع العراقي بكل تنوعاته المختلفة والمعقدة مما اسهم بالاتجاه المعاكس في تعميق حالة التناشز، والتصادم والانقسام والتنافر المجتمعي العراقي الحديث خصوصا !. ومثل هذا الوضع (( الغير ديناميكي اجتماعي متكامل)) هو ما يدعونا للتساؤل حول : اولا : ماهية الاسباب ، والعوامل التي اعاقت هذه الدراسات والبرامج البحثية الاجتماعية العلمية العراقية الشاملة بهذا الاتجاه .!!. ثانيا: كيفية تجاوز هذه الهوه العلمية التي انتجت فجوه اجتماعية بارزة في نسيج الاجتماع العراقي العام ، وساهمت في تناقضاته المجتمعية سياسيا وثقافيا ودينيا ومذهبيا و ...الخ ؟!. ((2)) طبعا ربما كانت المسؤولية في هذا الاطارمن الافتقارالمعرفي العلمي للشخصية الكردية الذي ادى بدوره الى افتقار نسيج المجتمع العراقي وتكامله بشكل عام ، وعلى عدة اصعدة سياسية واقتصادية و .... حتى مجتمعية ، تقع على عاتق ((علم الاجتماع العراقي الحديث)) باعتباره هوصاحب العلاقةالعلمية في هذاالمجال وكان من المفروض على من (تصدوا لريادة ومؤسسية علم الاجتماع العراقي الحديث ) ان يقوموا بوظائفهم العلمية والبحثية في بدايات تكوين الاجتماع العراقي الحديث وخاصة في شأن (الشخصية الكردية ) وطبيعة تكوينها السوسيولوجي على التحديد ، ولكن وعلى اي حال ، ليس هو العامل والسبب الاساس (( فقدان التاسيس لمدرسة اجتماعية عراقية ، تهتم بهذا الشأن العلمي العراقي الخطير))لاشكالية غموض الشخصية الكردية داخل الاجتماع العراقي المتنوع فحسب كما ان غياب علماء اجتماع مهنيين وحرفيين عراقيين يتمكنون من دراسة الشخصية للمجتمع العراقي بكل تنوعاته القومية والدينية والمذهبية بصورة علمية (وليس ايدلوجية سياسية كما حصل لطرح المرحوم علي الوردي او طائفية ) هو ايضا ليس السبب الوحيد الذي اعاق طرح دراسات اجتماعية معمقة علمية في شخصية الانسان والمجتمع الكردي العراقي الحديث كذالك !!. والحقيقة هناك ايضا سبب اخر ثالث غير ماذكرنا ، الا وهو (( هبوب رياح القومية المتعصبة في مطلع القرن العشرين المنصرم ووصول هذه الاطروحة القومية العالمية / الالمانية او الغربية بصورة عامة او العربية او التركية او .. الى مراحل من الامراض السياسية المتعصبة بحيث انهاتجاوزت كل حدود المعقول والمنطق الانساني السليم )) !!. وهذا بدوره صنع ((ردة فعل عكسية )) على كل من له لغة مختلفة او يسكن في اطار (جغرافية تغريه بالاستقلال السياسي ) في واقع عالمنا الانساني بصورة عامة وواقع العراق وتركياوايران وسوريا بصورة خاصة ، باعتبار ان الكرد هم من سكنة الجغرافية الجبلية لهذه البلدان الاقليمية الاربعة ،والتي تتشارك في جغرافيا جيوسياسية يسكنها عادة الناطقين باللهجات الكردية المتنوعة !!. وهذا الوضع السياسي والفكري ، والجغرافي والاجتماعي للمنطقة في الواقع هو ما خلق وصنع ايضا منظرين سياسيين من الكرد (( غالبهم من الاقطاعيين القبليين ، والعشائريين النافذين في الجبال الكردستانية الوعره )) ، لأن يتطلعوا ، وحالهم في ذالك حال المنظرين القوميين الاخرين المتطرفين ، من العرب ، وغيرهم لصناعة (( قومية فكرية وسياسية كردية))لا تقل شراسة تنظيرية في التاكيد والدفاع عن حقوق الكرد القومية والسياسية والاجتماعية ، وغير ذالك ، بالاضافة الى ان هذه التنظيرية القومية الكردية السياسية ( الشرسة ) بدأت بتصوير اي نقد سياسي حتى وان كان بناءا للمارسات القبلية الكردية داخل العراق وخارجه ، واي بحث علمي اجتماعي او انثربولوجي او .. غير ذالك على اساس انها محاولات للنيل من الوجود والقومية والشعب والثقافة و .. الخ الكردي وحقوقه السياسية في هذه المنطقة !!. اي بمعنى اخر هو فعلا ان هناك خطابات قومية سياسية عربية وغير عربية ( تركية ، ايرانية/ في المنطقة بدايات القرن العشرين المنصرم الذي صاحب ولادة وتمدد الايدلوجيات القومية المتطرفة)كانت تحاول (صهر الشخصية الكردية) داخل معامل المواطنة لهذه الامة ، او تلك حفاظا على وحدة الدولة ، ومشروعها الوطني الواحد ، كما حصل في تركيا مثلا لكن هذه المحاولات السياسيةوماخلقته من ردة فعل طبيعية من قبل (قادة المشروع القومي الكردي) الطامحين الى الانفصال عن هذه الاوطان قد زحفت اكثرمن مجالها الايدلوجي السياسي ، لتحاصر ايضا حتى البحوث العلمية الاجتماعية ( في العراق خصوصا ) التي تتناول الشخصية السيوسولوجية الكردية ، بنوع ليس له علاقة بذاك الصراع ( الايدلوجي القومي العالمي السياسي ) ولكن ، وعلى الواقع التنظيري السياسي الكردي المتطرف ودعمالكل مايعمق حالةالصراع والتناقض بين الكرد وباقي القوميات الاخرى اصبح كل تناول علمي اجتماعي للشخصية الكردية يؤرشف او يصنف في خانه العداء للكرد او على اساس انه محاولة سياسية لتشويه الشخصية الكردية ، ومن ثم صهر وجودها الاجتماعي وتذويبه في باقي القوميات الاخر مما صنع تلقائيا نوع من (( ممارسة الارهاب الفكري)) ، لكل من يحاول طرح دراسات ، وبحوث علمية اجتماعية تتناول شخصية الاجتماع الكردي كما تناولت شخصية الاجتماع العربي او التركي او الايراني الفارسي او ...الخ في مدلرس علم الاجتماع الحديث !!. ((3)) عندما نقول بلغة العصر العلمية انه يوجد افتقار في بحوثنا ودراساتنا السيوسولجية عن مكون اصيل ، او تراتبية اجتماعية او طبقية داخل مكونات وتراتبية الاجتماع العراقي الحديث ، فان ذالك لايعني فحسب انتاج (( افتقار معرفي وثقافي وعلمي )) لاغير، بل ان معنى ذالك ان مشروع الدولة والوطن والمجتمع العراقي الحديث والموحد قد اصيب هو ايضا بفيروس ، او بعملية افتقار (بنيوية سياسية ودينية ومجتمعية وقومية...)) تهدد بين بطبيعتها بين الفينة والاخرى كل مشروع الدولة العراقية الحديثة بالانهيار !!. بمعنى اوضح للذين يدركون كيف صنعت واقيمت الدول والمجتمعات الحديثة ، بعد الحرب العالمية الاولى نقول : ان الدولة الحديثة اقيمت اساسا(وخاصة في التجربة الاوربية الصناعية المعاصرة)على اساس فهم اجتماعي علمي معمق لكيفية تكوينات المجتمعات الغربية الحديثة وبناء هذه الدول على معطيات البحوث ، والدراسات الاجتماعية التي عقدت لدراسة المجتمعات الغربية ، كل على حدى وهذا هو ما ساهم بنجاح (مشروع دولة المواطنة ) في العالم الاوربي الحديث ، لان هذه الدولة ، وبظروف معقدة تماما ، وامام مجتمعات صناعية مختلفة عن مجتمعات الرعي ، والزراعة لابد ان تتكئ في كل برامجها السياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والصحية والاسرية و.....الخ ، على معطيات ، وبحوث هذا العلم المختص ب(دراسة هيئة المجتمع وكيفية صناعته ) في العصر الحديث !!. هذه الرؤية لعلم الاجتماع وبحوثه السيوسولوجية واتصال ذالك باعادة وصناعة بنى المجتمع الحديثة(مع الاسف)لم تكن بارزة لافي مشروع الدولة في العراق الحديث ولا في باقي البرامج التربوية والاجتماعية العراقية التي عانت ولم تزل من((غربة مكوناتها الاجتماعية العراقية وعدم انفتاحها وتعارفها فيما بينها والبين الاخر )) !!. الان نحن نتحدث ، وبعد اكثرمن تسعين سنه من قيام المجتمع العراقي الحديث بدولته الوطنية من زمن الملكي حتى اليوم ، لم نزل كمجتمع ومؤسسات دولة لاندرك : من هو الشريك في الوطن ؟. ، وماهي لغته ؟. ، ولماذا هومختلف فلكلوريا عن الاخر؟ وكيف نردم هوة الاختلاف هذه ؟..... وهذا هو احد اسباب مرونة تفسخ المجتمع العراقي وسهولة تفجير الصراعات الدينية والقومية والمذهبية و ...الخ ، في داخله عبر مؤامرات خارجية او تناقضات وتناشزات داخلية محلية !!. نعم في بدايةعصرصناعة الدولة والمجتمع العراقي الحديث خصوصا في العهد الملكي(الفيصلي الاول)كانت حركة الدولة وقادتها حثيثة في ولادة مدرسة وجامعة وعلم للاجتماع العراقي الحديث (( اختطف هذا المشروع واجهضه مع الاسف د:علي الوردي بافكاره الشخصية التي لاتمت باي صلة لالمناهج علم الاجتماع ولا لمدارسه ولا حتى لعلميته )) ، يكون المتكئ والمنطلق ، لقيام الدولة العراقية الحديثة ، وبالفعل صنعت مخططات الدولة الملكية العراقية في بداية الثلاثينات ، ونهاية الاربعينات نوعا من المشروع لقيام علم اجتماع عراقي ناهض ولكن سرعان ما جاءت المتغيرات السياسية العراقية في نهاية الخمسينات لتطيح بهذا المشروع العلمي الاجتماعي العراقي الكبير ولتفتقد الدولة العراقية الحديثة اهم ركن من اركانها المفكرة المدبرة والمهيئة لبرامج الدولة الناجحةبل ومع الاسف دخل كل مشروع الدولةالعراقية الحديثة وتحول الى سلطة قمعية وكيفية الصراع والاستيلاء عليها حتى اليوم فقط !!. هذا ربما ، ايضا يكون احد اسباب غربتنا الاجتماعية العراقية وتناشز مكونات هذا الوطن القومية والدينية فتوقف البحث الاجتماعي العلمي لمكونات الاجتماع العراقي ، وعزوف الدولة عن دعم هذا المشروع العلمي الذي لانجاح للدولة الحديثة بدونه ((غلق الابواب)) تماما على الفكر العراقي ومجتمعيته ان تدرك ،وتعي الشريك في الوطن لتتعامل معه وتنفتح عليه وتخلق نوعا من التكامل معه لاسيما الشريك الكردي الجبلي العنيد الذي ساهمت السياسات الجاهلة بتعميق عزلته وتناشزه مع باقي مكونات الاجتماع العراقي الحديث !!.
|