تخفيض قيمة الدينار العراقي

استضافت السيدة القديرة رنا عبد العباس السيد محمد الدراجي وزير الاعمار والإسكان السابق على برنامج الساعة التاسعة على شاشة الفضائية العراقية يوم 18 كانون الثاني 2015 . البرنامج كان يدور حول الميزانية . كنت امل ان تستضيف السيدة رنا احد الاقتصاديين للتحدث عن موضوع الميزانية , لأني اعرف ان السيد الدراجي يحمل شهادة الهندسة وليس الاقتصاد . على كل حال , كالعادة , كان الأستاذ الدراجي قديرا في توصيل المعلومة الى المشاهدين . لا مشكلة حول شخصية الأستاذ الدراجي او مع الأرقام التي طرحها في البرنامج . النقطة التي جلبت اهتمامي هي دعوته للبنك المركزي العراقي بخفض قيمة الدينار العراقي وبذلك يسمح لمعدل الأسعار بالارتفاع في الداخل وبالتالي تشجع المنتجين المحليين بالإنتاج بسبب وفرة الأرباح . على سبيل المثال , ارتفاع أسعار الطماطة المستوردة سوف تشجع الفلاح العراقي بالتوسع في زيادة زراعة هذه المادة حتى يستفاد الفلاح من ارباحها . فلو كان سعر الكيلو المستورد من الطماطة يكلف 1000 دينار بينما كلفة انتاج الطماطة العراقية هو 1100 دينار يصبح من المعقول استيرادها من ايران او الأردن , ولكن اذا أدى تخفيض قيمة الدينار الى ارتفاع سعر الطماطة المستوردة الى 1150 دينار فان من مصلحة المزارع العراقي بزيادة انتاج الطماطة محليا لان زراعتها يصبح مربحا .
ولكن العراقيون لا يحتاجون الطماطة فقط , العراقي اصبح يستورد كل ما يحتاج بيته من بضائع وخدمات وبدون الاستيراد سيجوع العراقي وسيكون بيته فارغا من جميع أدوات الحضارة . العراق ليس لديه الطاقة الكهربائية الكافية لتشغيل مصنع ولا عنده الامكانية لأحياء القطاع الزراعي. اني لا أقول ان حالة العراق ميؤوس منها , بالعكس , العراق لديه كل مكونات التقدم الصناعي والزراعي ولكن يحتاج توظيفها ليس بالطريقة التي يقترحها الأستاذ الدراجي . ميزانية هذا العام للقطاع الصناعي ما يعادل 150 مليون دولار , مبلغ لا يستطيع تغطية كلفة شراء مصنع حديث واحد . العراق بدأ باستيراد التمور وهو البلد الذي كان الأول في انتاج التمور في العالم. هناك خطا كبير والقطاع الخاص وحده لا يستطيع تصليحه. العراق يحتاج سياسة اقتصادية ثابته وتحت اشراف مجلس من الخبراء فوق الميول والاتجاهات مسؤولين عن ملف التنمية الاقتصادية طيلة حياتهم , أي لا يمكن نقلهم او الغاء تعينهم او طردهم الا بقانون , أي تماما مثل أعضاء المحكمة العليا الامريكية , أعضاءها لا يتغيرون الا بالموت . في ذلك الوقت سوف تكون هناك تنمية اقتصادية وهناك بشر مسؤولون عنها ويحاسبون عليها في العراق الحديث , الوزير الجديد يلغي جميع خطط وبرامج الوزير الذي كان قبله وهكذا لا يوجد محاسبة على الإخفاق و تقدير النجاح .
عودة الى اقتراح الأستاذ الدراجي والذي يطالب البنك المركزي العراقي بتخفيض قيمة الدينار واقول ان اقتراح السيد الوزير مرغوب به في الدول الصناعية والتي تعاني من عجز في ميزان مدفوعاتها مثل الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال. ان تخفيض العملة المحلية قياسا بالعملات العالمية يؤدي الى زيادة صادرات البلد ويخفض حجم استيراداتها وهكذا يصل البلد الى نوع من التوازن بين حجم الصادرات والاستيرادات. في الشأن العراقي فان تخفيض قيمة الدينار سوف يضر و لا ينفع او بكلام اكثر وضوحا اضراره تزيد على منافعه وللأسباب التالية:
1.لا يوجد في العراق بضاعة فائضة للتصدير عدى سلعة النفط والتي يستلم قيمتها بعملة الدولار, تخفيض الدينار سوف لن يزيد الصادرات العراقية وسوف لن يقلص عدد العاطلين عن العمل .
2.لا توجد إمكانية في الوقت الحالي بعث الحياة الى قطاع الصناعة والزراعة بسبب شحة الواردات المالية . العراق لم يستطيع أعادة الحياة الى اكثر من 60 مشروع حكومي معطل لحد الان ولا يستطيع بدون مساعدات خارجية .
3.عدد العاطلين عن العمل سيكون الأعلى منذ عشرة سنوات هذا العام بسبب تخفيض الميزانية و ازمة المهجرين الذي يبلغ عددهم 2.5 مليون عراقي .
4.تخفيض قيمة الدينار سوف يؤدي الى ارتفاع أسعار البضائع المستوردة والتي لا يستطيع عراقي واحد العيش من دونها وسيكون المتأثر الأكبر هم شريحة الفقراء.
5.تخفيض الدينار سوف يؤدي الى زيادة الأسعار (تضخم مالي) يرافقه نسبة عالية جدا من العاطلين عن العمل , وهي اسوء حالة اقتصادية يمر بها بلد .
6.ضحية ارتفاع الأسعار بدون شك سوف لن يكون حضرة الوزير او السادة النواب فلديهم المال الكافي لشراء ما تحتاجه مائدة طعامهم ,لكن ضحية ارتفاع الأسعار سيضرب 99% من الشعب العراقي وخاصة أصحاب الدخول الثابتة ( حوالي اربع ملايين) , العاطلين عن العمل ( حوالي 4 ملايين) و مجموعة المتقاعدين ( حوالى 2 مليون) .
كان على السيد الوزير التفكير عن كيفية خلق رأسمال في العراق , إعادة بناء البنى التحتية للبلاد , توفير الامن , تأسيس نظام للبنوك , تدريب الايدي العاملة العراقية . هذا ما يحتاجه العراق قبل البدء باي تنمية اقتصادية معقولة وبدونها سيبقى العراق معتمدا على استيراد ما يريد اكله وستدعو الحاجة الى رفع قيمة الدينار العراقي بدلا من تخفيضه.