قتله الوزير صبرا!
ارتدى ملابس العمل كعادته، وخرج في الصباح الباكر، كي يستقل باص النقل، ذاهباً الى مكان عمله، تدور في رأسه عشرات الأفكار، حاملاً على أكتافه أثقالاً من الهموم، مالذي سيفعله ياترى؟! فقد تناثرت أشلاء الذكريات في شتى أنحاء مخيلته! فمنذ ذلك اليوم الأسود، لم يفتأ قلبه يعاقر الألم!
في لحظات غضب إجتاحت سكينة معالي الوزير، طفق يخصف بموظفي وزارته، يهجّر بهم الى شتى المحافظات، ليواري فشله في إدارة الوزارة! وذلك الموظف أحد ضحاياه!
ياترى كيف سيترك منزل أحلامه، الذي عمل طيلة عشرون عاماً، في بناءه ؟! وكيف سيفارق أهله، وجيرانه، وأصدقاءه، وحيه الذي ولد فيه، ونشأ بين أزقته التي حفظها زقاقاً زقاقا، ومنزلاً منزلاً، حتى أصبحت جزءً من كينونته! وكيف ستواصل زوجته وظيفتها؟! وكيف ستبتعد عن أهلها، وعن ذكرياتها وذاكرتها؟!
مرت عشرة أيام، وذلك الموظف هائمٌ على وجهه، يبحث عمن ينتشله من ذلك المأزق، فليس لديه من شفيعٍ عند الوزير، ولا يحمل الوزير من رحمة في قلبه، فلو وجدت لما فعل فعلته! فأوصدت في وجهه الأبواب، وتقطعت السبل، وأناخت رحلُ الأوجاع في قلبه، وأضعنت الفرحة من أيامه!
جميع تلك الهموم، إعترت مخيلته، والحافلة في طريقها الى مقر عمله، فحينما يصل هناك، يُكمل أوراق نقله! وهكذا إكتضت الهموم وزادت الآلام، فكّر في أن يترك العمل، ولكن ماذا سيفعل، وماذا سيعمل، وقد قضى عشرون عاماً في وظيفته تلك، سيما مع ما يمر به البلد من تقشف!
لم تكن في حسبانه تلك الأمور، قبل أن يخط معالي الوزير، أمر نقله الى محافظة بعيدة، ولا يعلم الوزير؛ أن ما يخطه القلم، قد يكون أشد من وقع السلاح!
دخلت الحافلة في زحام شديد، طال لأكثر من نصف ساعة، وحينما تحركت، أغمض الرجل عينيه، وسقط من مقعده مغشياً عليه، عندها أضطرب زملائه وتوقفت الحافلة على جانب الطريق، ونقلوه الى المستشفى، وقد فارق الحياة إثر جلطة قلبية! إذ قدمته يد الأقدار قرباناً للذكريات!