لَقَدْ أنْصَفْتُمْ المُتَظَاهِرِيْنَ ... فَأنْصِفُوا المَظْلُومِيْن. |
قبلَ ثلاثةِ أشهرٍ تقريباً مِنَ الآن، خرجَ المتظاهرون في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدّين، وديالى ومدينة سامراء المقدّسة. وطالبوا بمطالبٍ منها المشروع ومنها غير المشروع. وسارعت الحكومة بتشكيل لجنة برآسة نائب رئيس الوزراء الدكتور حُسيّن الشهرستاني. ومُنِحَت لهذه الّلجنة صلاحيات واسعة، لتلبية مطالب المُتظاهرين المتعلقة بالحكومة. ونجَحتْ الّلجنة في الوصول، إلى سَقفٍ جيّد من تحقيق مطالب المتظاهرين المَشروعة. كما أسهمت هذه الّلجنة، بايصال المَطالب التي تحتاج لتشريعات، إلى مجلس النواب للبت فيها. كما عَمِلتْ لجانٌ دينيّةٌ وعشائريّةٌ في الإتجاه نَفسِه. وفي خِضَمِّ هذه الأحداث، استطاعت جهات مُتطَرّفة، أنْ تُسيّطرَ على سَاحَة الاعتصامَات. وأنْ يكونَ صَوّتُها هو المُسَيّطِر، على ساحَات المتظاهرين. وأخذَتْ تُعلنُ عَنْ أهدافِها، الّتي تَختلفُ عَنْ مَطالبِ المُتظاهرين. فطالبو بإسقاطِ الحكومةِ، وإلغَاءِ الدّستُور، وإخراجِ جميع المعتقلين، والغاءِ عَددٍ من القوانين، وغيْر ذلك من المطالب غيْر المَشروعة. ومعَ كلِّ تلكَ الإرهاصَات والتداعيات، بَدأت هذه الجِهات بمرحلةِ التحديات، الصّريحة الموجهة للحكومة. كمُطالبَة الوزراء بإعلان استقالَتِهم مِنَ الحكومة، وتهديدِ مَنْ لَمْ يَستجبْ لهذه النّداءآت، باتّخاذ إجراءآت معروفَة. كَما وُجِهتْ التَهديدات إلى مُنتَسبي الجيّش والشُرطة، بتَركِ وظائِفهِم في محافظة الأنبار، ومنع إجراء الانتخابَات في المحافظاتِ المذكورة. وتزايَدَ الموقفُ سُوءً، بازدياد التّفجيرات الإرهابيّةِ في مناطِقَ شيعيّة، لغرضِ تحريك المَشاعر، وتوجيهها باتجاهِ الحَرب الطائفيّة. وازدَاد التّحدي تصعيداً، بتفجير وزارة العدل يوم 17 آذار 2013. وبعد يوميّن مِنْ هذا التّاريخ، كانَ أبناءُ العراقِ، على موعدٍ بسلسلةٍ مِنَ التّفجيرات، وصَلَ عدَدُها ثلاثَةَ عشَرَ تفجيراً في مناطق، الكاظميّة والشّعلة والبيّاع، ومدينة الصدّر والكرّادة، والحسيّنيّة والحلة ومناطق أخرى. وكانَ عدَدُ الضَحايَا أكثرَ مِن مئتين شخصٍ بيّن شهيدٍ وجريح. مِنَ الواضحِ أنَّ هناكَ بَرنامَجاً، تُطَبِقُهُ جِهاتٍ سياسيّةٍ معيّنة، تَعمَلُ باتجاهين. الأوّلُ، تدميرُ العمليةِ السياسيّةِ مِنْ داخلها. والثَاني، إضْعافُ الحكومةِ أمنياً بجَعلِها عاجزةً عَن السَيطرةِ، على الوَضع الأمني للبلاد، مِنْ خلالِ تنفيذِ عملياتِ التّفجيراتِ الإرهابيّة، في أكثر المناطق إزدحاماً بالمواطنين. ولهذينِ الاتجَاهينِ اهدافٌ محدَدةٌ هي: 1. إثارةُ المشاعرُ الطّائفيّة، وإعادة أوضاع العراق السّياسيّة إلى فترة الاحتراب الطّائفي. لغرضِ التَمكُن مِنْ إعادَة ترتيبِ أوراقِ العمليّة السِياسيّةِ من جديدٍ، وفرضِ مَا لَمْ يتمّ فرضَهُ في المَرحلةِ السّابقة، (عند كتابة الدّستور عام 2005)، وتطبيق مَبدأ القَبول بالأمر الواقع. 2. زَعزَعةُ ثِقَةِ الشعب بالأجهزة الأمنيّة، مِنْ خلالِ تَوجيهِ ضَرَبَاتٍ إرهابيّةٍ لأهدافٍ نوعيّةٍ مُنتَخبَةٍ. وهذا تحقّقَ فِعلاً وبدقةٍ أيضاً، وبتوقيتاتٍ وطُرُقٍ تُثبِتُ أنَّ العمليّاتَ الارهابيّةِ، مسبوقَةٌ بتخطِيطٍ عالِ الدِقّة. إضافةً إلى تدريبٍ وانضِباطٍ عالييّن في تدميرِ الأهداف. 3. تأليبُ الشَّعب على الحكومَةِ، مِنْ خلالِ إثباتِ فشلِها فِي معَالجَةِ المواقفِ السّياسيّة. وتَردّي الخَدمات، والفَشل في المُحافظةِ على الوَضع الأمني. 4. التأكِيدُ بقوّةٍ على أنَّ مفاصلَ الحكومةِ، وأهمّها حسّاسيّة الدفاع والداخلية والقضاء، مُخترقة بشكلٍ واضح. 5. التأثيرُ النّفسيّ على الجُمهورِ، بإيصالِ رسالةٍ واضحةٍ للجميع، بأنَّ كُلَّ العراقِ، يَقعُ في قَبضَةِ الجَماعَاتِ الإرهابيّة. ومِنْ نتَائِجِ هذهِ الرّسالة، التأثيرُ على النَشاط الإقتصادي الدّاخلي. وتقويضُ عمل مشاريع الاستثمار الخارجي في العراق. 6. إفشالُ انتخابات مجالس المحافظات، كخطوةٍ استباقيّةٍ لإفشالِ الانتخابَاتِ النيابيّةِ العَامّةِ المُقبلة، في نهاية العام الحالي. 7. توجيهُ رسائل إلى ايران وسوريا وحِزب الله لبنان، بأنَّ المشروع السُعودي القَطري التُركي، والمرسوم من قِبَلِ أمريكا وتعاون لوجستي إسرائيلي، يسير وفق خطّة وتوقيتات مدروسة، لإحداث تغييرات في المنطقة تعيدُ التوازن الاستراتيجي لهذه الدّول، في منطقة الخليج وغرب المتوسط. ولا بُدّ مِنْ تنبيهِ أصحابِ مشروع تخريب العِراق، باستخدام نظريّة (فَرّق تَسُدّ)، بأنَّ الطّائِفَةَ الشِيعيّة الّتي يَستهدفُها الإرهابُ بشكلٍ مباشرٍ ومُركّز، هي مُكوّن رئيسي من مكوّنات الشّعب العراقيّ. لَمْ تَكُنْ حِصّتُها، (بَعدَ إسقاطِ نظامِ صدّام، الّذي اختلفَ مَعَ الأمريكانِ لأسباب معروفة)، سِوَى تقديمِ دماء الأبرياء مِنْ ابنائِها دُون مُقابل. وليَكُنْ في عِلمِ الجميع أيضاً، أنَّ هذهِ الطّائفةُ لَمْ تَستَفِدّ مِن الحُكّام الشّيعةِ، سِوَى شَيءٍ واحِد. هوَ السَماح لأبناءِ هذهِ الطائفَةِ، بالذّهابِ إلى العتبات المُقدّسة، سَيراً على الأقدامِ في بعضِ المناسبات الدّينيّة. وطَبْخ (التّمن والقيمة) و(اللطم وضرب الرؤوس بالقامَات، والظهور بالزناجيل)، هذهِ هيَ المكاسِبُ الاستراتيجيّةُ الّتي حصلَ عليّها شيعةُ العِراق. ولَمْ تَكُنْ هذهِ الطّائفِةُ يوماً مّا وعلى مرّ التّاريخ عدوانيّةً، أو تُحِبُ التّسلطِ على رقابِ النّاس، كمَا أنّها تتحفّظُ بشَدّةٍ على إراقة قطرَةِ دَمٍ، فمبادئ مدرسة أهلِ البيّتِ عليهمُ السلام، التّي ينتمونَ إليها، أرفع مِنْ أنْ تكونَ سائرةُ في خطِّ الإرهابِ والجريمة. وهُنا لابُدَّ مِنْ تذْكِيرٍ الحكومة العراقيّة، وفي مقدمتهم، السيّد نائب رئيس الجَمهوريّة، والسيّد رئيس الوزارء، بالتحلّي بالمسؤوليّة الوطنيّة والشرعيّة والاخلاقيّة، والتَمَيّز بالشّهامَةِ والشُجَاعَة. ومثلما حقّقوا مطالبَ المتظاهرينَ المشروعةِ، ونفّذوا نسبةً كبيرةً منها. عليّهِم الآنْ، إذا كانوا يؤمنونَ بالعَدالَة والمُساواةِ واحترامِ حُقُوقِ الإنسانِ، النّظرَ بجديّةٍ إلى حُقوقِ الشُهداءِ والجَرحى والمعاقين. فدماؤهم تَحكي مأساةً إنسانيّةً بَشعة، لا تُعوَضُ بقيامِ الحكومةِ، بدَفْعِ الأموالِ إلى ذَوي الشُهداءِ والجَرحى، بطريقَةٍ تُشْبِهُ بَيْع الدَمِ بالمال. وإنّما بتنفيذِ أحكامِ الإعدَامِ، بكُلِّ مُجرمٍ حَكَمَ عليهِ القضاءُ العراقيّ بعقوبَةِ الإعدام. مِنْ أجلِ إعادة الأمور، إلى نِصابِها الصحيح، مِنْ خِلالِ تطبيقِ العَدالَة. وإنّي أناشِدُ ذَوي الضَحايا، فِي حالةِ عَدَمِ تَنفيذِ أحكامِ الإعدَامِ بالمجرمين، الاعتصامُ في السّاحاتِ، للضَغطِ على الحكومَةِ، بتنفِيذِ القانونِ ولا شيء غيْرَ القَانون. ومَا مُناشَدَةُ السيّد وزير العدل، الأستاذ حَسن الشّمري، لرئاسة الجمهوريّة، يوم 18 من آذار الجاري، بالمُصُادَقَةِ على مراسيمِ إعدام المجرمين، إلاّ تعبيراً عَن الشّعورِ بالمسؤوليّةِ الوطنيّةِ والقانونيّةِ والاخلاقيّة. لإنصَافِ المظلومين ورَدْعِ الظّالمِيْن، والقَصَاص مِن المُعتدين. والجميعُ يَعرفُ أنَّ التَشريعات القانونيّة تَنِصّ على ذلك. كما أنَّ ذلك سُنّة قرآنيّة، لوضعِ حدٍّ لتجاوزاتِ الظّالمين، وحمايةِ المظلومين. وكَمَا أنصَفْتُمْ المُتَظَاهِرينَ ... فأنصِفُوا دِمَاءَ الشُهداءِ المَظْلُومِيْن. |