يريد الإرهابيون ان لا يمس احد نبي الإسلام بسوء, لكنهم في الوقت نفسه يرتكبون بإسمه أعمالا لا يمكن السكوت عنها, فإن تجرأ أحد على السخرية من النبي بسبب أعمالهم الإجرامية فإنهم حتما سيكونوا آخر من يحق لهم الدفاع عنه حتى ولو باللسان فكيف سيكون الحكم عليهم وهم يرتكبون المجازر الوحشية. الواقع أن هناك الكثير من جوانب النفاق على الجانب الإسلامي وكثير من اللف والدوران يوم يتطلب الأمر معالجات حقيقية. الإسلامويون يؤكدون على ضرورة الإتفاق على حرمة الأديان وعلى ضرورة وجود نص قانوني دولي يحرم التجاوز على المقدسات, لكن كثيرا منهم ينظرون إلى أتباع كل الديانات الأخرى بأفكار أفضلها تلك التي تعتبرهم أهل ذمة. وهناك الكثير من النصوص التي تعتبر أتباع تلك الديانات كفارا, وإن لا دين على الأرض إلا الإسلام, وبينما يحتضن الغرب مئات من الجوامع ويوطن الملايين من المسلمين ويتعامل معهم قانونيا وأخلاقيا كأصحاب الأرض, ومنهم متطرفين يشتمونه من على منابرهم يوميا, ويوم يحتج المسلم اللاجئ ضد ما يدعيه ممارسات عنصرية ضده فإن أكثر أنظمته الإسلاموية الحالية, حتى تلك التي تدعي الإعتدال تعمل تحت شعار إطردوا الكفار من جزيرة العرب, وتكاد البقية من المسيحيين أو الصابئة أن تصبح جزءا من جنس منقرض, أما اليهودي فقد أصبح مفردة غرضها الشتيمة. عينة من ذلك الجنوح نراه بالعين المجردة وهو يحدث يوميا على الأرض السورية والعراقية . قوافل الإيزيدين والمسيحين الذين هجروا من أراضيهم وبيعت نساؤهم وأطفالهم كرقيق وجواري تشير بالعشرة إلى مواقع الخلل. ويوم يدين المسلم المعتدل تلك الجرائم فهولا يذهب ولو قليلا إلى حيث مكان العلة لكي يشخص خطأ الفقه بعد أن شخص خطأ التصرف. وهل ستفيده بعد ذلك دعواه أن الإسلام دين رحمة وعدالة ومساواة وهو لا يحاول الخروج جديا من مأزق "أن يؤخذ كله أو يترك كله" ويبقى في المساحة عينها التي تترك لأفكار التطرف أن تأخذ احقيتها أيضا في تقديم الإسلام كما تراه فَتُفعِّل ما شاءت من آيات الجهاد وأحكام الشريعة. بغياب الخروج من الدين السياسي اولا وتحريمه دستوريا من خلال دولة علمانية وثقافة سياسية غير متأرجحة أو متذبذبة أو منافقة سيجد المسلم المعتدل أن بإمكان المسلم المتطرف أن يأتي له في لحظة واحدة بعشرات الأيات والأحاديث والمشاهد والسير النبوية والصحابية التي تؤكد على أن إضطهاد الكافر حلال وسبي النساء وإستعباد الرقيق هو حق لا يجوز مخالفته أو التفريط به. ولكي نقف إلى جانب ضد آخرمعناه أن نقسم القرآن إلى قسمين, قسم الرحمة الذي يمكننا من الوقوف مع المعتدلين وقسم العنف والقمع الذي يمكننا من الوقوف مع المتطرفين, اي أن يكون لدينا قرآنين يأخذ المعتدل أحدهما ويترك الآخَر للآخر, وهذا غير معقول. ولا يتميز القرآن في هذا عن كل الكتب السماوية الأخرى, غير ان بقية الأديان لا ترفع شعار الإلتزام بالشريعة, وقد توفرت لمجتمعاتها فرصة الخروج من عنق الزجاجة حينما أقرت الإلتزام بالنظام العلماني وأعلنت في دساتيرها بشكل واضح تحريم العمل السياسي في الدين والعمل الديني في السياسة. لكن أغلب دساتير الدول الإسلامية حتى تلك التي قدمت نفسها كدول علمانية ما زالت عاجزة عن الخروج كليا من حالة القرآن دستورنا, أو لا تمتلك شجاعة الإفصاح الدستوري عن حالة الفصل كليا ما بين الدين والدولة. ومثل ذلك فإن إغلاق باب الإجتهاد ومصادرة العقل مقابل النقل وتحريم تأويل النص بما يتفق مع معطيات اللحظة هو إخراج أمة من عالم, أو محاولة دفن العالم في مقبرة هذه الأمة. وحينما تقول للمسلم المتطرف هناك روح الإسلام سوف يرد عليك ولكن هناك الشريعة, فتحس حينها أنك عاجز عن المطاولة ولو أبعد قليلا من لحظة الرد. إن مأزقنا التاريخي في حقيقته ليس في الإسلام التكفيري بل في الإسلام المعتدل الذي يبقينا في مساحة الصراع الإسلاموي ليجعلها مفتوحة على مصراعيها لثقافات تكفيرية تمتلك مثله حق تفسير الإسلام بالطريقة التي تعتقد بصوابيتها, لكنها تمتلك أكثر منه وسائل ونصوص وثقافة تساعده على أن يسحب الإسلام لصالحه, وقبله فهي تمتلك الشجاعة لتعلن عن موقفها دون نفاق. وأرى أن إدانة ما يسمى بالإسلام السياسي المعتدل يجب ان تسبق إدانة الإسلام المتطرف, إذا لم يسعى الأول إلى الخروج بإسلامه من دائرة النفاق واللف والدوران التي وضع نفسه فيها وأخذنا معه أيضا. وفي عالم اليوم فإن المسلمين السياسيين وفقهاء الإعتدال ليسوا وحدهم المنافقين, بل نرى السياسيين الغربيين أنفسهم يتقدمون صفوف النفاق تلك ويشجعونها على التكاثر حينما يضعون ايديهم في يد الإسلام السياسي ويقررون أن الحل هو في الوقوف مع المعتدل وليس في الخروج كاملا من مساحة الإسلام السياسي. أما لعبة النفاق فتتصاعد حين يأتي وقت إلقاء الكرات في مرمى الخصوم إذ تراهم يعيبون على المسلمين ثقافتهم التكفيرية ويتناسون دورهم في دعم حركاتها السياسية, ثم ليكون أفضل ما يقدموه هو عقد الصفقات التاريخية مع ما يسمى بالتيارات الإسلامية المعتدلة. لقد حدث ذلك في العراق حينما إنحازت الإدارة الأمريكية لتيار الإسلامويين ضد ما تبقى من التيار العلماني واغلقت بالتالي كثيرا من فرص وإمكانات تطوره. ثم وقفت بشكل واضح مع حكم الإخوان في مصر وجعلت من قطر عاصمة للربيع الإسلامي وأعلنت دعمها لأمة إسلامية على الطريقة التركية, وقبل ذلك فإن الغرب لم يتردد في دعم وتسليح التيارات التكفيرية في حربه ضد الإتحاد السوفيتي. وهو إنطلاقا من سلوك النفاق هذا لا اراه متردد عن دعمه إينما وجدت المصلحة. إن النفاق في يومنا الحالي يتحمله فريقان, الأول إسلامنا المعتدل والثاني سياسيو الغرب الذين يبذلون كل جهدهم لإبقاء العالم في مساحة صراع الحضارات, وهي مهمة يقدر الغربيون أنها لن يكتب لها النجاح إذا خرج المسلمون من ساحة الصراع ما بين إسلامهم السياسي المعتدل وإسلامهم التكفيري وتواجدوا في ساحة تدين الإثنين معا من واقع ان أحدهما ينجب الآخر.
|