غياب الرقابة على مخازن الثروة السمكية تدمر الامن الزراعي بالعراق

 

العراق تايمز:

نشر الناشط البيئي احمد صالح نعمة الحسناوي من محافظة ميسان تسجيل فيديو  بصفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، اطلق عليه عبارة "كارثة بيئية : غياب الوعي الاقتصادي والرقابة" يوضح كيفية قيام صيادي الاسماك في اهوار الجنوب بهدر هذه الثروة السمكية بغياب الحس والوعي الاقتصادي والحرص الوطني على ثروات البلاد في ظل غياب الرقابة الحكومية.

وعرض التسجيل اعداد هائلة من الاسماك الصغيرة التي يقوم الصيادون بالتقاطها بشباكهم ذات الفتحات الصغيرة " المخالفة للقوانين"، حيث يقوم الصيادون برميها بعد ذلك لعدم استفادتهم منها، ولكن ليس الى مجاري الانهار والاهوار وانما على الطرقات ليتركوها كي تموت، بتصرف اشبه منه للجنون وانعدام الوعي.

احمد الحسناوي والذي قام بتصوير هذه الظاهرة المؤلمة يؤكد انها تمثل استنزافا حقيقيا للثروة السمكية وتهديدا كبيرا للامن الغذائي العراقي.

الحسناوي، والذي اشتهر بنشاطه في مجال البيئة وشغفه بالطبيعة والزراعة، ابدى استياءه من ممارسات الصيادين هذه، مشيرا الى ان الحل الوحيد لمعالجة هذه الظاهرة هو تدخل الدولة واجهزتها الرقابية والتنفيذية لمنع مثل تلك المجازر بحق الثروة السمكية، مقللا من فائدة الجانب التوعوي للصيادين في هذا المجال، لانه سبق وان جربه دون ان يصل الى نتيجة ملموسة معهم.

الحسناوي اكد ان عمليات الصيد في اهوار الجنوب تتم بطرق غير قانونية من امثال استخدام الشباك ذات الثقوب الصغيرة والمبيدات السامة والمتفجرات "والتي منعت من استخدامها المديرية العامة للثروة السمكية"، كما ان الصيادين لا يلتزمون بالاوقات السنوية المخصصة للصيد، وذلك لغياب الرقابة الحكومية واسلوب العقاب. مما يعزز من مطالبته بتدخل الاجهزة التنفيذية لايقاف هذا التهديد الذي لا يقل عن التهديد الارهابي كونه يؤثر على الامن الغذائي.

واطلق الحسناوي نداءا الى الحكومة المحلية في ميسان والحكومة المركزية والمنظمات غير الحكومية، بضرورة التدخل للحفاظ على ما تبقى من هذه الاسماك، داعيا في الوقت نفسه الى الاستفادة من الاعداد والكميات الهائلة من هذه الاسماك الميتة في صناعة الاسمدة والاعلاف.

من جانب اخر حذر خبراء اقتصاد ومسؤولون محليون من التدهور الحاصل في قطاع الثروة السمكية في البلاد بسبب نقص أعدادها في المياه العراقية، مشيرين الى ظهور أنواع جديدة من الأسماك وصفت بـ "غير المجدية اقتصاديا"، داعين في الوقت ذاته الحكومة المركزية الى ضرورة التحرك لحماية الثروة السمكية في البلاد من خلال تفعيل القوانين والقرارات الخاصة بالصيد الجائر.

وقال الخبير الاقتصادي مصطفى محمد الحبيب، ان "الثروة السمكية في العراق تعتبر من اهم الركائز الاقتصادية وذلك لتوفر عناصرها الأولية من نهري دجلة والفرات وأهوار ومستنقعات الجنوب التي تمثل البيئة الطبيعية لتواجدها بكثرة".

وأضاف ان "التجاهل والإهمال الحكومي المتعمد لهذه الثروة الاقتصادية المهمة أدى الى تناقص مردوداتها المالية والغذائية الى درجات خطيرة خلال السنوات الأخيرة".

وأوضح الحبيب ان "عمليات الاستيراد العشوائية من دول الجوار وظهور أنواع جديدة من الأسماك الغريبة التي ساهمت بتناقص اسماك محلية رائدة مثل البني والشبوط , عوامل ساعدت على تغير البيئة السمكية العراقية بشكل سريع".

وبين ان "وزارة الزراعة أولت اهتماما واسعا للثروة الزراعية دون تقديم اي مبادرة تذكر للنهوض بواقع الثروة السمكية مما حدا بالمواطنين اخذ المبادرة والعمل بصورة فردية لتطوير واقع عملهم من خلال تبني الأقفاص العائمة لتربية الأسماك وبيعها".

وأكد ان "الروتين في مؤسسات الدولة والخاصة بعملية إعطاء إجازات لإنشاء الأقفاص العائمة والتي تصل الى عدة اشهر تسبب لدى المستثمر استياء مزمن وعدم الرغبة في تطوير عمله الخاص بتربية الأسماك الحوضية".

وأشار الى ان "الثروة السمكية في العراق تمثل ثلث المداخيل التي يحصلون عليها مواطني محافظات الوسط والجنوب وذلك لشمول تجارتها على سلسلة كبيرة من العاملين والمستفيدين ماليا من عملية تربيها وبيعها".

ولفت الى ان "مصر والأردن من الدولة الرائدة في مشاريع تربية الأسماك الحوضية لذلك يجب على الحكومة الاستفادة من خبراتها بإقامة الدورات التدريبية لكوادرها الاختصاصية او جلب المستثمرين من هاتين الدولتين لتأسيس مشاريع كبرى في هذا المجال". 

فيما أوصى مختصون ومربو أسماك في بابل، بـ "ضرورة منع الصيد الجائر للأسماك حفاظاً على هذه الثروة من الانقراض، وتكثيف الدوريات النهرية، وقيام الدولة بدعم المنتجين، ويطالبون بتوحيد الإجراءات الخاصة بمنح الموافقات لإنشاء أقفاص خاصة بإكثار الأسماك العراقية وحمايتها من الانقراض".

ويقول المدير العام لبيئة الفرات الأوسط، كريم حميد عسكر، إن "المؤتمر كرس لظاهرة الصيد الجائر للأسماك وتربيتها بواسطة الأقفاص العائمة"، مشيراً إلى أنه "استهدف إشاعة ثقافة الحفاظ على الثروة السمكية لما لها من مردود اقتصادي كبير لاسيما أنها تشكل أحد المكونات الرئيسة في النظام البيئي المائي وتسهم بدور مهم في حفظ التوازن البيئي".

ويضيف عسكر، أن "الإنسان استثمر هذه الأحياء منذ قديم الزمان كمصدر للغذاء لكنها تعاني حالياً من الصيد الجائر الذي سبب تناقصاً كبيراً في عدد الأسماك بالشكل الذي يهدد باختلال التوازن الأحيائي في البيئة المائية"، مؤكداً ضرورة "العمل على تنظيم تربية الأسماك في الأقفاص العائمة واستخدامها بطرق صحيحة وضمن المحددات البيئية".

وأوضح المدير العام لبيئة الفرات الأوسط، أن هناك "عدة مواضيع نوقشت خلال المؤتمر منها ورقة عمل دائرة حماية وتحسين البيئة بشأن الإجراءات المتخذة لمعالجة الصيد الجائر للأسماك ومحاضرات عن استخدام السموم وتأثيراتها على تقليل النوع السمكي ونوعية المياه، وأثر الموارد المائية على التنوع للأسماك العراقية، وتأثير نوعية المياه على الأسماك في الأقفاص العائمة، واستخدام التقنيات الحياتية في مجال الأسماك، ومساوئ ومحاسن الأعلاف المستخدمة في الأقفاص العائمة".

من جانبه، يؤكد نائب رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، أن بابل هي "أكثر المحافظات في عدد بحيرات الأسماك المجازة وغير المجازة"، مطالباً بـ"إجراءات عاجلة لمواجهة الصيد الجائر".

ويقول إياد الطالبي، إن "الصيد الجائر يشكل قتلاً للثروة السمكية في العراق مثلما يدلل على عدم وعي الصيادين بالقانون"، مطالباً الحكومة المركزية والمحلية بضرورة "اتخاذ إجراءات عاجلة بحق من يحاول قتل الثروة السمكية لأنه يعمل على انقراض الأسماك أو على الأقل انقراض أنواع مهمه منها مثل الشبوط والبني والبز".

ويلفت الطالبي، إلى أن "محافظة بابل تعتبر أولى المحافظات في إنتاج الإصبعيات السمكية كونها تضم أكثر من 40 مفقساً للأسماك وتنتج 90 مليون إصبعية سمكية صغيرة سنوياً"، لافتاً إلى أن "المحافظة تسوق يومياً أكثر من 15 طناً من الأسماك من البحيرات المجازة التي يبلغ عددها أكثر من 250 بحيرة وأقفاص عائمة".

ويتابع نائب رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، "أما البحيرات غير المجازة فيقدر إنتاجها بعشرات الآلاف من الأطنان"، مستطرداً أن "بابل أكثر المحافظات أيضاً في عدد المزارع غير المجازة التي تبلغ أكثر من 1300 بحيرة".

ويرى الطالبي، أن "محافظات الفرات الأوسط تشترك بهموم متشابهة في الصناعة السمكية مثل شحة المياه وكثرة البحيرات غير المجازة ورخص أسعار الأسماك بسب الاستيراد العشوائي وعدم توفير الدولة الكميات المناسبة من الوقود للمربين، وعدم استيراد الأعلاف المركزة، وشيوع حالات الصيد الجائر، وإنشاء البحيرات غير المجازة، وكثرة المكاتب الزراعية التي تبع السموم التي تستعمل في صيد الأسماك، وعدم وضع ضوابط لعملها".

بدوره يحذر باحث في شؤون الأسماك، من "مخاطر استعمال السموم في صيد الأسماك على الإنسان والبيئة"، داعياً إلى ضرورة "التصدي لمن يمارسون مثل تلك الأساليب الهمجية في صيد الأسماك".

ويقول فالح الشلاه، أن "بعض الصيادين يستعملون السموم والمواد الكيمياوية مثل المبيدات الحشرية لصيد الأسماك برغم ما لذلك من خطورة كبيرة سواء على الأسماك أم جميع الأحياء ومنها الإنسان"، مبيناً أن "الأسماك التي تنجو من السموم تواجه خطر الإصابة بالعقم وقد تمتد خطورة تلك المواد إلى الإنسان مسببة موته".

ويهاجم الشلاه، الذين "يعمدون إلى الصيد بواسطة الشباك ذات الأقطار الصغيرة التي تؤدي إلى الإيقاع بالأسماك الصغيرة والكبيرة على حد السواء"، لافتاً إلى أن "الصعق الكهربائي يؤدي إلى قتل جميع الكائنات الحية الموجودة في المكان مما يؤثر سلباً على التنوع الإحيائي في البيئة المائية".

ويرى الباحث الشلاه، أن "استعمال المتفجرات في صيد الأسماك يشكل جريمة أخرى لا تقل خطراً عن المواد الكيمياوية"، مطالباً بضرورة "التصدي لمن يمارسون مثل تلك الأساليب الهمجية في صيد الأسماك".

ويطالب مربو الأسماك بدعم الدولة لهم، ويدعونها إلى "وضع خطة بعيدة الأمد للمحافظة على الثروة السمكية وزيادتها وحماية المربين من الاستيراد العشوائي".

البايلوجي علي نعمة، يحدد الشروط الأساس الواجب توافرها في تربية الأسماك في الأقفاص.

ويقول نعمة، إن "القفص ينبغي أن يكون بعيداً عن السدود والمشاريع الإروائية والمواقع سريعة الجريان ولا يؤثر على أعمال الصيانة وكري وتطهير الأنهر مع توفر المياه المناسبة والكافية لتشغيل المزرعة"، مبيناً أنه "يجب أن يقام في المياه ذات التيار الهادئ على أن لا تتجاوز سرعته 10سم/ ثا في السطح و15-25 سم/ ثا في القعر وبعيداً عن مناطق نمو الطحالب والنباتات وأن لا تقل المسافة بين مجموعة من الأقفاص وأخرى عن 2 كم وأن لا يزيد حجم المستعمرة عن 3000م2 ولا يقل عمق المناطق المختارة عن 2 كم ويمنع رمي مخلفات تنظيف الشباك في المجرى المائي وقريبة من طرق المواصلات من اجل خدمة المزارع ويجب أن لا يؤثر صرف مياه المزرعة على تلوث مياه الشرب أو المياه ذات الاستعمالات الصحية أو الإنتاجية".

إما ما يخص الصيد الجائر للأسماك فقد قامت دوائر البيئة بإجراءات تتضمن العديد من المفاتحات والمخاطبات للمحافظين ورؤساء المجالس لمنطقة الفرات الأوسط لمنع الظاهرة لما لها من تأثير على الثروة السمكية وصحة الإنسان.

وكانت وزارة البيئة العراقية، طالبت مراراً، ومنها في بيان أصدرته في وقت سابق، بحظر استيراد عدد من المبيدات المستخدمة في الصيد الجائر للأسماك التي تهدد بوقوع كارثة حقيقية وأضرار جسيمة تؤثر سلباً على صحة المواطن وبيئته، داعية إلى إيجاد حلول سريعة للحد من الصيد الجائر.