مقابرنا لا تزال جماعية

 

حينما يسمع الانسان بالمقابر الجماعية يصاب بالحيرة والتوتر والقلق , ويكتشف من تجرد من الانسانية والقيم , والى اي حد تصل الوحشية والهمجية والأنانية , هياكل عظمية تداخلت ونسجت من القصص والأثار التي تدل على شجاعتها وسعيها لكرامتها وتكشف قناع بطش الجلاد وانحطاط اخلاقه  , حينما تجد لعب الاطفال في ايديهم ورضاعاتهم في افواههم ونساء بحليّها البسيطة , رجال ونساء بعضهم من أعصبت عيناه لكي لا يرى من غدره او سدّ فاه خوفاّ من كلمة الحق  في داخله , او قيدت يداه  كي لا ترفع بالدعاء , لكنها ارواح عانقت السماء وصرخة كبرى هزّت اركان الأرض وأصبحت كابوس يطارد الطواغيت , كلما حاولوا ان يخفوا حقيقة جرائمهم وغيروا معالم الأرض الاّ ان الحقيقة لابد ان تظهر وشعب نطق كلمته من تحت الارض , والتاريخ لا يمكن ان يسكت عن جرائم مرفوضة شرعاّ وقانوناّ واخلاقاّ , وما من انسان يحمل ذرة من الدين والاخلاق والانسانية ان يقبل بأن يقتل الناس بالجملة وأحياء يدفنون ,  المقابر الجماعية ابشع الجرائم بحق الانسان , صور تحمل وحشية ما ارتكب بحق الشعوب في العصر الحديث بأساليب تجاوزت افعال الوحوش , ضحايا يكبلون ويجلسون القرفصاء واطفال بألعابهم , كارثة كبرى من فكر ابتعد عن الانسانية والأدمية , امتهن شعب واراد له الاهانة بدوافع عنصرية طائفية , ومصالح حكومات مادية , وصمت عالمي ومحلي عن عوائل المراجع والعلماء والأبرياء و حلبجة والانفال والشعبانية والأهوار , واستمرت لتسيل الى اليوم انهار الدماء ممتدة  من ذلك الفكرالسادي  , مقابر الامس اكثر من مليون جلهم من الوسط والجنوب وفي الجبال  واليوم يدفعون ثمن السياسات الخاطئة والاحقاد والعنصرية والتسابق على منابع المال , حقائق مروعة وجرائم توالت على شعب سرقت خيراته من تحت قدمية وتقاتل السراق في بيته حتى ترك هياكل مجهولة تناثرت  واشلاء الطفولة تطايرت  بلا عناوين ولا هويات , لأسباب وبدون اسباب , لا ذنب لهم سوى انهم عراقيون يريدون العيش بسلام  يفترشون تراب وطنهم ويتنفسون هوائه ويشربون ماء نهريه ,  فلم يفرق الظلم بين النساء والرجال والشيوخ والاطفال , حتى ان الموت اصبح مجاني يطرق الابواب في اي لحظة , لم تتوقف المقابر الجماعية عند العراقيين ولم تقف اطماع النفوس المنحلة الاخلاق عند سرقة خيراته ولم يقبلوا بفقره وحرمانه في وطنه , انما جعلوه وطن لقوافل الشهداء كل يوم ترحل بدون ذنب  مغادرة الى الخلد وكأن وطنها سليب بيد قطاع الطرق , وكان حقوق الانسان فيه مقلوبة فيعطى للجلادين والمجرمين ويترك المحرومين غرباء في وطنهم مشردين يطاردهم الموت في اي مكان وزمان ..