15 يوما في العراق (٢) بقلم المفكر المصري مؤمن المحمدي

 

العراق تايمز: كتب المفكر المصري  مؤمن المحمدي..

رحت البصرة عن طريق دبي ترانزيت، ودي حاجة مكنتش فاهمها، إيه اللي يخلي واحد رايح من الشمال للشمال، يروح الجنوب الأول، علشان يطلع ع الشمال تاني؟ بس لما لقيت معايا على الطيارة واحد أمريكاني رايح من مصر للولايات المتحدة الأمريكية فـ هـ ينزل ترانزيت في دبي، قلت: من شاف ترانزيت الناس هان عليه ترانزيته.

اللي فهمته إن دبي نجحت في إنها تبقى ترانزيت العالم كله من أي حتة لأي حتة، مطار دبي تقريبا أكبر من مدينة دبي، عارف إنكم مش مستنيين حد زيي يقول لكم: دبي مدينة متطورة، واللي بـ يسافر منكم زمانه بـ يقول: ياه، لسه واخد باله! بس الحقيقة تشوف غير تسمع أو تقرا خالص، خصوصا إني زرت دبي من خمس سنين تقريبا، والأمر اتطور كتير من ساعتها.

أوكي .. ممكن أصدقاءنا ذوي الميول الشاعرية يتكلموا كتير، وأنا معاهم، عن إنها مدينة بلاستيك، وإمارات مين اللي اتعملت في السبعينات، ولو البترول خلص أو رخص، أو العالم ما بقاش يعتمد عليه هـ يتعبوا، ويمكن يختفوا من ع الخريطة، بس كل الكلام، مع احترامي، بـ اشوف إنه تصبيرة مش أكتر

مع إني حبيت البصرة وناسها لأقصى حد، وارتحت فيها على المستوى الإنساني أكتر، والعراق عموما بالنسبة لي مكان يسعدني أعيش فيه، بس لما تطلع من القاهرة لـ دبي لـ البصرة، خلال 48 ساعة، فيه أسئلة كتير تسألها لـ نفسك، كلها بـ تدور حوالين فكرة واحدة: إيه اللي يخلي الفرق بين المدينة الناشئة والمدينتين العريقتين بـ هذا الحجم؟ أو لو خلينا مصر على جنب، ليه الإمارات كده والعراق كده؟ 
 

عندهم بترول؟ العراق بـ ينتج بترول أكتر من الإمارات، إضافة إن العراق عنده موارد كتير غير البترول، كفاية بس الإمكانيات السياحية من المواقع الأثرية اللي هـ اتكلم عنها وعن سحرها.

قلة عدد السكان؟ لو بـ نحسبها بس بـ عدد المواطنين حاملي الجنسية ممكن يكون صح، بس الحقيقة إن الإمارات بـ يعيش فيها تقريبا عشر ملايين نسمة من جنسيات مختلفة، بـ ياكلوا ويشربوا ويكسبوا ويكونوا ثروات، غير اللي بـ يروحوا زيارات عمل، والضيوف اللي بـ ييجوا في عشرات المهرجانات الدولية للسينما والمزيكا والفنون التشكيلية وخلافه.

التفسير الوحيد بالنسبة لي هو الحروب المتتالية في الشمال، والسلام الدائم في الجنوب، وسهل جدا نتكلم عن مؤمرات خارجية وأطماع غربية (ومش بـ أنكرها) لكن برضه: ليه مفيش مؤمرات على الدولة الأضعف، اللي محاوطاها بؤر المؤامرات من كل ناحية، وفيها تنوع ديني وثقافي مغري بالفتن والإحن

الواحد في الحالات اللي زي دي مش بـ يمنع نفسه من التفكير في نقطتين:
العلمانية، حتى لو مش موجودة بالوعي، لو مش موجودة بالكلمة، بس المفهوم هنا حاضر بقوة، على الأقل في الحياة اليومية، الدولة فعلا مالهاش دعوة بحياة المواطن الدينية والشخصية، وده مالوش علاقة بـ الديمقراطية من عدمها، ما نقدرش نقول إن نظام الإمارات السياسي ديمقراطي بالمعنى الغربي، لكن قدرة الفرد على إنه يختار تفاصيل حياته دون تدخل من الدولة، متوفرة دون حدود، وتقديري إن ده أساس العمران الحديث.

الحاجة التانية: يبدو والله أعلم إن الحضارة معطلة، أيوة، زي ما باقول لك كده، حضارة العراق، حضارة مصر، مش عارف كام ألف سنة، تاريخ طويل وممتد، على قد ما هو مشرف، على قد ما هو بـ يخلق عمق في الشخصية، على قد ما هو حاضر، على قد ما بـ يشكل عبء على كتاف البلد، بـ يبقى صعب تتحرك بـ كل التاريخ ده، فيما يخص التطور التقني، شوف أمريكا بنت إمبارح، وشوف أوروبا القارة العجوز.

يعني، دي أفكار سريعة، على قد الترانزيت، وبكرة بقى نستأنف الكلام عن العراق نفسه.
صباح الخيرات