تدحرج العرب من السفح إلى القاع

في الثالث من آذار في العام 1965 زار الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة أريحا في فلسطين ، وألقى خطابا بالنازحين الفلسطينيين ، دعاهم في بان يكونوا واقعيين ولا تأخذهم العواطف وان يقبلوا بقرارالتقسيم الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947. وصم كل العرب الراحل بورقيبة بالعمالة لإسرائيل ورموه بتهم شتى .

في آب من العام ١٩٦٧عقد العرب قمة في الخرطوم بعد هزيمة العرب ونكستهم بشهرين تقريبا ، سميت قمة الخرطوم بقمة اللاءات الثلاثة : هي لا للاعتراف ، لا للصلح ، لا للتفاوض مع إسرائيل . بعدها بأعوام قليلة تدحرج العرب من سفح موقفهم إلى موقع أدنى ، تفاوضوا وعقدوا معاهدات سلام مع إسرائيل منهم من ربط ذلك بالآية الكريمة: "وان جنحوا للسلم فاجنح لها " .

في تلك الأعوام تدحرج العرب من لغة التهديد بالحروب إلى لغة نشجب ، وندين ، ونستنكر ، كانت تلك أكثر الكلمات التي سمعتها في حياتي من المسؤولين والساسة العرب ، إذا تعلق الأمر باعتداء إسرائيلي على أشقائهم العرب . والأمثلة على ذلك كثيرة ، جيوش عربية كثيرة اشتبكت وأسهمت في قتال الجيش الإسرائيلي في حروب الأعوام ١٩٤٨ و١٩٦٧ و ١٩٧٣، وقادة عرب اكتفوا بالشجب الإدانة والاستنكار واستمروا للان .

تناسل من يشجبون ويستنكرون ويدينون ، وبمرور الوقت ازدادت أعداد من يشجون وقلت أعداد من يقاتلون وهكذا توارثنا الفشل واللغو الفارغ وحادينا جامعة الدول العربية !.

بعد فترة من الضياع والتشتت العربي تدحرجنا إلى نهاية السفح ، في مرحلة جديدة : ندر فيها من يقاتلون وقل فيها من يستنكرون وكثر الصامتون !.

يا ليتنا توقفنا عند هذا الحال من التدهور والتدحرج ألقيمي والأخلاقي فيما يتعلق بثوابت الأمم ، بتشخيص وعزل الأعداء والتفريق بينهم وبين الإخوة والأصدقاء وان تخاصموا .

دخل على خط الشجب والصمت والتدني رجال دين حرموا مساعدة من يقاتلون إسرائيل إذا كانوا من"الروافض" بفتاوى صدرت من كبار علماء السعودية ابن باز وعبد العزيز أل الشيخ ، وتدحرج موقف مفتي السعودية عبد العزيز ال الشيخ ، حتى انه حرّم التظاهرات التي انطلقت في بعض البلدان العربية للتنديد بالعدوان على غزة في العام 2014 واصفا التظاهرات ب"مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها ولا رجاء منها"

لقد نجحت الفوضى الخلاقة نجاحا باهرا بتنفيذ أجنداتها بإتقان كبير ببروز حالة العداء والاقتتال والاحتقان بين أبناء الوطن الواحد والامة الواحدة ، بدعاوى الدين والطائفة والعرق ومن لا سبب في كثير من الأحيان .

في هذه المرحلة هوينا من أسفل السفح إلى القاع .



واحدة من ابرز مظاهر وإفرازات هذه المرحلة هي "حالة الشماتة والفرح العارم والوقوف إلى جانب من كان كل العرب يعتبرونهم أعداء وهم الصهاينة . يقف بعض العرب معهم ويفرحون لجرائمهم بحق إخوتهم العرب !!.

لمسنا ذلك بوضوح في الشماتة بالفلسطينيين في غزة وفرح البعض بتدمير غزة في حربها الأخيرة مع إسرائيل ، حتى ان الكثير من العرب وقف إلى جانب المهرج المصري توفيق عكاشة وهو يشتم الغزاويين ، بعد ذلك شتم العراقيين .

انتقلت هذه الشماتة والفرح إلى قلوب الكثير من العرب والمسلمين وهم يسمعون أخبار العدوان الإسرائيلي الأخير على أعضاء من حزب الله في القنيطرة السورية ، الأغرب ان عدوى الشماتة والفرح انتقلت من مواقع المتشددين والسلفيين إلى موقع المعتدلين من الإسلاميين ، الأكثر غرابة ان يفرح البعض ممن يقولون أنهم فوق الأديان والطوائف. وكأن اغلب العرب تدحرجوا من السفح الى القاع !.

في هذه الحالة ليس لدي ما أقوله غير دعاء تقول كثير من الروايات أن نبينا الأكرم كان يدعوا به دائما .

"اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ)).



أين بورقيبة ليرى ما حل بالعرب ؟.

خطاب بورقيبة أثناء زيارته لأريحا



"وفارقتكم لطول الذل نخوتكم فليس يؤلمكم خسف ولا عطب" إبراهيم اليازجي