بين السماء والأرض .. حكاية الوطن الضائع



نقرأ ونسمع, من هنا وهناك, أن طائرات التحالف الدولي تقوم بين الفينة والأخرى بإلقاء مواد غذائية وأدوية وحتى أسلحة على تجمعات لداعش كجزء من لعبة تستهدف إطالة أمد النزاع. ولأن نظرية المؤامرة جاهزة لتأخذ بأيدينا نحو تفسيرات أغلبها وهمية وعادة ما تلهينا, قصدا أو غفلة, عن مصادر الخلل الأساسية الذاتية فإن قبولنا بفكرة المؤامرة الجوية تلك غالبا ما تلغي حتى فكرة التوقف لفحصها بحيادية, وليس غريبا أن أصحاب هذه النظرية يريدون إيصالنا إلى قناعة تقول أن السبب الأساسي لعدم القدرة على هزيمة داعش إنما يكمن في طيات تلك المؤامرة الجوية ذاتها وليس في الثغرات الهائلة التي تنخر الجسد السياسي والإجتماعي العراقي وتجعله منهكا وغير قادر على الإستجابة لعلاجات العناية المركزة.
كل شيء يبدأ من الأرض, وحتى يكون من حقنا أن نتهم القوات الرابضة في السماء, ونلعنها ما وسعت لنا اللعنة, علينا بداية أن نوفر مقومات النصر الأساسية في ساحات المواجهةالأساسية مع داعش, وهي مقومات لا بد وإن توفرها مصالحة حقيقية يعجز النظام الحالي عن توفيرها وذلك لعلل ذاتية فيه.
إن داعش لا تحتاج إلى بضعة اسلحة يلقيها الأمريكان عليها من الجو فلقد منحها المالكي وقياداته العسكرية الهزيلة فائض اسلحة يكفيها حتى لأغراض التصدير. مثل ذلك فإنها صارت تسيطر على مصادر مالية اكثر من حاجتها للصرف على مقاتليها من ذوي الإحتياجات البسيطة, وهي قوة موحدة في مواجهة جيش لدولة ممزقة, وتقاتل على أرض يخاف أهلها أيضا من ميليشيات بدر ودولة الفقيه بما يجعلهم غير مطمئنين تماما إلى نصيب لهم في مستقبل عراقي مشترك.
إن غياب حسن النوايا والإمتناع عن توفير أهم الأسلحة الإستراتيجة لمواجهة داعش ألا وهو سلاح المصالحة الوطنية الحقيقة هو واحد من أهم اسباب الهزائم السابقة والذي قد يؤدي بدوره إلى هزائم جديدة.
ونسمع أن من أهداف امريكا وراء إطالة وجود داعش على أرض العراق هو لغرض إحداث المزيد من التمزق والإنهاك, لكن اصحاب هذه النظرية, وقد كانوا بارعين في إكتشاف النوايا الأمريكية المفترضة تراهم, بدلا من توحيد الهدف والصف الوطني, يهرعون لينافسوا خصومهم على هذا الهدف, فتصبح شكواهم بالتالي نوع من أنواع الدجل الذي يصعب إخفاءه.
إلعنوا أمريكا ما وسعت اللعنة, لكن ليس قبل أن تؤدوا واجبكم أولا, هذا إذا كان واجبكم يتأسس على إيمان حقيقي بوطن إسمه العراق.


ليس سرا أن نقول ان الدولة الأمريكية لا تشتغل لحسابنا الخاص وإن رئيسها لا يأخذ مرتبه الشهري من وزير ماليتنا وهي أيضا ليست منظمة خيرية هدفها تقديم العون إكتسابا لمرضاة الله, كما أنها ليست مهتمة كثيرا بمن يغلب بالنتيجة إلا بحساب ما يقدمه إنتصار أحد الطرفين لمصالحها الإستراتيجية الهامة, وسيكون بديهيا القول ونحن نجمع على ان الساحة العراقية باتت رهينة لصراع المصالح والنفوذ الإقليمي والدولي أن نحسب أن أمريكا تضع حماية مصالحها الإستراتيجية في المقام الأول وأنها لا تقدم الدعم مجانا لأي نظام أو أو دولة إلا بمقدار ما يقدمه هذا الدعم من خدمات لأمنها ومصالحها. وسيكون من الغباء أن نعتقد أن حملاتها الجوية ضد داعش تشغلها عن مراقبة ما يجري على الأرض العراقية حيث يجري تحت غطاء الحرب ضد داعش تمشيط الحالة العراقية بإتجاه خدمة المعسكر الإقليمي الإيراني ونرى البعض وقد بات يصرح علنا أن إيران هي التي تتكفل بشكل رئيسي بدعم الجهد العسكري العراقي وتشترك بشكل مباشر في هذا الجهد, ولولا جهدها هذا لأصبحت حكومة العبادي حكومة منفى. وبعيدا عن ما يتضمنه هذا التصريح من إعتراف أكيد بهشاشة الوضع العراقي الذي كانت قياداته قد غرقت تماما في مستنقع الفساد والتبعية والإخصاء الوطني بجيث صارت, وهي التي تهيمن على بلد قوي بتاريخه وشعبه وموارده, عاجزة عن أن تصد أخطار منظمة إرهابية لا يتجاوز عدد مقاتليها الألوف, في بلد إستطاع أن يقاوم طيلة ثمانية سنوات دموية أخطار جارته إيران, لكنه تحول بعد ذلك, بفضل من نظامه الطائفي الفاسد إلى بلد تكاد حكومته أن تصبح حكومة منفى لولا دعم الأخوة الأعداء.
ولسنا نتعامل هنا بمكيالين إلا حينما نزعم أن إيران تقاتل في العراق لوجه الله أو حبا بالحسين, فهي ايضا, كما أمريكا ليست منظمة خيرية, أما العراق فهو بالنسبة لها, كما كان دائما, مفتاحا إستراتيجيا هاما لكل معارك الهيمنة والتوسع, سواء تلك التي قادها هرمزان بسيف أو شاهنشاه بقبعة عسكرية أو التي يقودها اليوم رجل بعمامة.
وحينما نشير بإصبع الإتهام للنوايا الأمريكية علينا أن نتأكد أن اليد التي تستعمل ذلك الإصبع هي يد عراقية أصيلة, فوحدها تلك اليد مسموح لها ان تحرك اصابعها بالإتجاه الذي تريد وتصافح من تريد وهي متأكدة أنها لن تكون قطعة من روبوت أمريكي أو إيراني. ووحدها تلك اليد ستكون قادرة على أن تجد نفسها ضمن مساحة الصراعات الإقليمية والدولية بما يجعلها حرة لمصافحة من تريد. 
وحتى لو صحت قصة المساعدات الأمريكية يظل السؤال من يساعد داعش أكثر.. بضعة أكداس من الأسلحة تلقيها أمريكا من الجو على داعش التي كانت قد إستولت توا على نصف اسلحة الجيش العراقي أم نظام بغداد الذي قدم لداعش ثلث العراق هدية مجانية.