التفاؤل.. صحة وقوة للقلب |
نحتاج في حياتنا اليومية أن نعود إلى القناعات البدائية البسيطة، والتي منها أن نعيد ضبط سلوكيات حياتنا اليومية بما يُفيد صحتنا النفسية والبدنية. وتقول الحكمة إن التفاؤل هو أفضل ما يُمكن لأحدنا فعله من أجل تقديم الخير لأنفسنا وأرواحنا وأجسادنا، وأن عمل الإنسان على التحلي بالتفاؤل هو مفتاح من مفاتيح الحصول على الخير. وفي عالم ارتفعت فيه الإصابات بأمراض القلب، يقوم الباحثون والأطباء بفعل أفضل ما يمكنهم لفهم مسببات أمراض القلب واكتشاف الأدوية والوسائل العلاجية التي تخفف من وطأتها ومعرفة طرق الوقاية منها، والتي بمجمل جهودها يرتفع مستوى صحة القلب لدى عموم الناس. وما يحاول عموم الناس فعله هو الاستفادة من تلك الأمور لجعل صحة قلوبهم أفضل. الباحثون من جامعة إلينويز بالولايات المتحدة قدموا أخيرا دراسة علمية جديدة أعادت تأكيد حقيقة مفادها أن ثمة علاقة قوية بين الحالة النفسية وصحة القلب، وخاصة في جانب التفاؤل. ووفق ما تم نشره ضمن عدد يناير (كانون الثاني) - فبراير (شباط) من مجلة مراجعة سلوك وقانون الصحة Health Behavior and Policy Review، أجرى الباحثون دراسة واسعة حول العلاقة فيما بين صحة القلب والأوعية الدموية والتحلي بالتفاؤل Optimism. وقالت الدكتورة روزالبا هرنانديز، الباحثة الرئيسية في الدراسة، الأستاذة المساعدة في كلية العمل الاجتماعي بجامعة إلينويز،: «لقد أظهرت الأبحاث بالفعل وجود صلة بين الأمراض النفسية وضعف الصحة الجسدية، ولذا قررنا إجراء دراسة لمعرفة مدى وجود علاقة بين الصحة النفسية الجيدة والصحة البدنية الجيدة. واتخذنا التفاؤل مقياسا للنفسية الجيدة ووجدنا أن الناس الذين يتحلون به بدرجات عالية منه، لديهم احتمالات أكبر أن تكون حالة صحة القلب والأوعية الدموية عندهم أفضل وذلك بالمقارنة مع من لا يتحلون بتلك الحالة النفسية الإيجابية». وقام الباحثون بتحليل البيانات المتعلقة بأكثر من 5100 شخص بالغ من الجنسين، ممن تراوحت أعمارهم ما بين 52 و84 سنة، الذين هم بالأصل ضمن مجموعة «الدراسة المتنوعة الأعراق لتصلب الشرايين» Multi - Ethnic Study of Atherosclerosis. وخلال تلك الدراسة الواسعة، تم إجراء تقييم مستوى التفاؤل وفق اختبار خاص بذلك Optimism Standardized Test. ووفق نتائج التقييم النفسي لمستوى التفاؤل، تم تقسيم مجموعة أولئك الأشخاص إلى 4 فئات، تراوحت بين الأقل والأعلى تفاؤلا. كما قام الباحثون بدراسة مستوى الحالة الصحية للقلب والأوعية الدموية لديهم ومراجعة مدى وجود عوامل خطورة الإصابة بالأمراض الوعائية والقلبية عندهم، وتحديدا مؤشر كتلة الجسم والتدخين ونوعية الأطعمة التي يتناولونها ومستوى ممارستهم للنشاط البدني اليومي ومقدار قراءات قياس ضغط الدم ومستوى نسبة السكر بالدم ومعدلات الكولسترول. والمثير للانتباه في نتائجهم ملاحظتهم أن الأشخاص الأعلى مستوى في التفاؤل كانوا أفضل بنسبة 70 في المائة في مستوى صحة القلب والأوعية الدموية. كما وجد الباحثون أن الأشخاص المتفائلين كانوا أوفر حظا في أن تكون معدلات الكولسترول ونسبة السكر بالدم ومؤشر كتلة الجسم وممارسة الرياضة البدنية ضمن مستويات أفضل بالمقارنة مع الأشخاص الأقل تفاؤلا. وهذه النتائج على بساطتها في التعبير، هي في الواقع تفتح عيوننا على حقيقة أكبر، وهي أنه يمكننا فعل الكثير من أجل الحفاظ على جزء مهم من صحتنا، وخاصة صحة القلب والأوعية الدموية، عبر سلوكيات نمط الحياة الصحية التي لا تشمل فقط التغذية وممارسة النشاط البدني والامتناع عن التدخين وغيره، بل أيضا بإضافة التحلي بالتفاؤل. وطرح الباحثون تساؤلات حول تفسير العلاقة بين ارتفاع مستوى التفاؤل وارتفاع الحالة الصحية الإيجابية للقلب والأوعية الدموية، وقالوا إنهم لا يعلمون على وجه الدقة، الإجابة عن هذا، ولكنهم قالوا إن ثمة فكرة مفادها أنه على أقل تقدير إحدى آليات تفسير العلاقة تلك هي أن الأشخاص الأعلى تفاؤلا يتبنون سلوكيات صحية في نمط عيشهم لحياتهم اليومية وتفاعلهم الإيجابي مع ضغوطات الحياة اليومية. واعترفوا أن الدراسة لم تبحث في تعليل هذه العلاقة الإيجابية ولكنهم سيبحثون في هذا الأمر في دراسات تالية لأنه موضوع معقد ويحتاج إلى فحص بعناية. وهذا صحيح، لأنه حينما تلاحظ الدراسات الطبية أن سلوكا حياتيا معينا يضفي فوائد عالية لصحة القلب فإن هذا السلوك يحتاج إلى تفسير لكيفية تأثيره بتلك الدرجة الواضحة على صحة أحد أهم أعضاء الجسم وفي تخفيف الإصابات بالمرض الذي يعتبر السبب الأول للوفيات عالميا.
|