اليزيدية وحلم الإمارة سابقاً,والحكم الذاتي حالياً

بذلت العديد من الدول الكبرى مع بداية القرن العشرين وسطوع مشاكل القوميات في أوربا وما ترتب على ذلك من مشاكل وحروب ,الى محاولات كسب ود وتعاطف الأقليات الدينية والقومية في مناطق شتى من العالم ,لاسيما الشرق الأوسط.

إما في العراق الذي كان فريسة الاحتلال العثماني البشع والمتخلف, فقد عرف عنه تعدد الأديان والمذاهب في ولاياته الثلاث(بغداد ,البصرة ,الموصل),وشاع تدخل القناصل الأجانب في شؤونه الداخلية, لصالح إحدى الأقليات بذرائع شتى مابين الاضطهاد,وفتح المدارس ومراكز العلاج الطبي, او التبشير الديني.

بذلت بريطانيا جهداً كبيراً في كسب العديد من زعماء الأقليات لصالحها بعد إن أكملت احتلال العراق 1918, فقد عينت الزعيم اليزيدي حمو شرو رئيس قبيلة الفقراء معاون للحاكم على جبل سنجار ,على الرغم من التنافس القبلي مع العديد من الزعماء الآخرين وأشهرهم داود الداوود,ليكون رجلها الأول والمنفذ لسياستها في المنطقة, مع توفير الدعم المالي له والعسكري,فطرحت عليه فكرة تكوين "إمارة يزيدية مستقلة" تمتد من منطقة سنجار وما جاورها لتصل منطقة الكسك, وتمتد حتى مدينة الحسكة السورية.

لكن الظروف التي تحيط بالمنطقة , والصرع الدولي ,لم يسمح لرجل عشائري ان يوافق على مشروع مصيري عملاق يضم بين طياته العديد من الثغرات والعراقيل والقنابل المؤقتة ,فلا هو من بيت الإمارة ويحق له الترشيح والتمتع بمميزات منصب الأمير حصراً(على الرغم من دعمه بعد ذلك لمرشح منافس للأمير سعيد بك الاهو الأمير حسين), صعوبة جمع اليزيديين الموزعين في أكثر من منطقة في لواء الموصل(سنجار ,بعشيقة,الشيخان,زاخو...), وكذلك بعض المناطق السورية,مما يثير الفرنسيين الذين لم يخفوا إطماعهم في سنجار (بحثاً عن النفط),كما ان المشروع يثير حفيظة السكان الآخرين العرب والأكراد في المنطقة,فقد كانت الجمعيات السرية العربية تمارس نشاطا مميزا في الموصل, وتعد حمو شرو عائق إمام تنفيذ برامجها وهو صنيعة للبريطانيين في المنطقة حتى أنها وضعت خطة لاغتياله.

وهكذا سقط مشروع الإمارة اليزيدية وهو لم يرى النور بعد, ولعل ذلك كان في مصلحة اليزيديين وإبعادهم عن شبح الصراع الدائر بين بريطانيا وفرنسا, ويحسب لحنكة حمو شرو في رفض المشروع.

وتعود الصورة اليوم بشكل أخرى وبإرادة جديدة ,فيطالب اليزيديون أنفسهم بأحقيتهم بالحكم الذاتي لمناطق يشكلون الأغلبية,بعيداً عن صراع المركز والإقليم الكردي(في امتحان قاسي لما يروج له الكرد من دستورية حق تقرير المصير),لاسيما بعد ان تعرض اليزيديون الى مأساة وإبادة بشرية يندى لها جبين الإنسانية وتخاذل غير مبرر كما يقول خيري شنكالي(أذ كان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يمتلك معلومات دقيقة قبل استهداف الايزديين من قبل المجاميع الارهابية(تنظيم القاعدة ) يوم 14/8/2007 ولم تتخذ الاجراءات الامنية المشددة .. والثانية عاصفة داعش الهمجية التي راح ضحيتها اكثر من اثنى عشر الف انسان بريء والذبح والاعدامات والسبي والخطف للرجال والاطفال والنساء اضافة الى السلب والنهب والحرق والتدمير لالشيء سوى كونهم ايزديين ، وفي الحقيقة كانت السلطات المحلية في شنكال المسؤولة عن تلك المجازر ايضا ، ففي البداية لم يسمحوا للمدنيين الدفاع عن انفسهم ومن ثم تخاذل اكثر من اثنى عشر الف من قوات البيشمركة والزيرفاتي وانسحبوا انسحابا غير منظما تاركين ورائهم أكثر من اربعمائة الف انسان), بل وصل الأمر الى بيع نسائهم بشكل متخلف وبشع ولا يمت للإنسانية باي صل, دون إن يحرك المجتمع الدولي مشاعره ,الا بعض المنظمات الإنسانية هنا وهناك.

نفض اليزيديون غبار الكسل وكونوا جماعات قتالية شرسة سطرت ملاحم بطولية في هزيمة داعش,وتحرير مناطقهم بقوتهم وبدعم خجول من قوى محلية ودولية,باستثناء حزب العمال الذي أعطى العديد من الشهداء ومازال,ونتيجة طبيعة لحالات التخلي التي مارستها القوات الكردية(البيشمركة وملحقاتها),ارتفعت أصوات اليوم لإعلان سنجار منطقة حكم ذاتي تتمتع بكافة الصلاحيات ولأبنائها الحق في إدارتها ,لكن الاعتراض الكردي كان عنيفاً ,باعتبار سنجار تقع ضمن مناطق 140(يطلق الكرد مناطق المنتزعة من الإقليم), والمعروفة دولياً المناطق المتنازع عليها بين الدولة الاتحادية والإقليم الطامح للاستقلال بعد ترتيب بيته بشكل تام,علما إن سنجار تعد حلقة تجارية مهمة جداً,ومنطقة زراعية متميزة,وتحت أرضها ثروات هائلة,إضافة لوجود أيدي عاملة ماهرة ورخيصة,فمازال الإنسان اليزيدي بسيط, مخلص,متقن لعلمه,وفي لرب العمل,وحاول الكرد التشويش على المشروع بتحريك مظاهرة في خانك لكنها فشلت بامتياز,لكن السوال هل تستطيع قوى محلية وتعاطف دولي الوقوف بوجه الكرد وملياراتهم التي صرفت على بعض الشخصيات الموالية لبعض الأحزاب بشكل مطلق وإنشاء منظمات مجتمع مدني وصحف ومجلات ورواتب ضخمة لمراكز لالش الثقافية والاجتماعية.

الحكم الذاتي للمكون اليزيدي صور جميلة من بلد متعدد الأديان والأطياف,لاسيما في مناطق تمتاز بالأغلبية السكانية لليزيدية,وتعلو جبال مناطقه معابدهم وأضرحة أوليائهم ,ويتكلم سكانها اللغة الكردية ,بينما يطالب الكرد بأكثر من الحكم الذاتي ضمن العراق الاتحادي,فلما لا ننظر بعين الإنسانية والاستحقاق لليزيدي الذي يمتاز بوجود عدد لاباس به من جملة الشهادات العليا والكفاءات التي أثبتت جدارتها في العديد من المهن والاختصاصات,تحسن استثمار خيراتهم لتحسين واقعهم ألمعاشي وتطوير قدراتهم الذاتية,والمحصلة النهائية هم جزء من عراق اتحادي يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات.