احترام الحكم القضائي واجب وليس رخصة |
عندما خرج مواطني ولاية ميزوري يتظاهرون ضد الحكم القضائي الذي اصدرته المحكمة بتبرئة ضابط الشرطة الابيض الذي اتهم بضرب شاب امريكي من اصول افريقية يدعى مايكل براون حتى الموت وبعد ان اندلعت اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة احتجاجا على الحكم القضائي خرج الامريكي من اصول افريقية ابن المهاجر الكيني الذي اصبح رئيسا للولايات المتحدة باراك اوباما ليدعو المتظاهرين ورجال الشرطة الى ضبط النفس والالتزام بالحكم القضائي . يمكننا ان تقارن بين حديث الرئيس الامريكي وبين الحديث الذي ادلى به السيد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الى فضائية البغدادية وخصوصا الجزء المتعلق باحكام الاعدام فقد ذكر السيد الرئيس بانه لايصادق على احكام الاعدام التي اصدرها القضاء العراقي لان لديه بعض التحفظ على الاساليب التي قد تكون اتبعت في الاجراءات . ان اجراء المقارنة لايقلل من احترامنا الشديد لشخص الرئيس فؤاد معصوم ولتاريخه وعلمه الغزير الا انها افكار قانونية نطرحها من اجل مصلحة العراق اولا واخيرا . ان موقف الرئيس الامريكي الذي اشرنا اليه انفا ينطلق من مبدا ان اساس الأنظمة الدستورية هو الايمان بمبدأ دولة المؤسسات وان السلطة يمارسها أشخاص تم اختيارهم وفقا لقواعد معينة وهم ملتزمون باداء واجبهم وفقا للقانون فان خرجوا على القواعد القانونية المنظمة لاختصاصهم فقد خرجوا على مبدأ المشروعية، وهذا هو جوهر مبدأ المشروعية وسيادة القانون . وان جوهر سيادة القانون هو أن القاعدة القانونية تأتى فوق إرادات الإفراد جميعا حاكمين أو محكومين وتلزمهم جميعا باتباع أحكامها، فان لم يلتزموا – خاصة الحكام – بالقاعدة القانونية انقلب تصرفهم المخالف للقانون إلى تصرف باطل وغير قانوني . ودولة القانون يقوم على اساس الفصل بين السلطات حيث يعتبر استقلال المؤسسة القضائية من ركائزها الأساسية. وهذه المباديء هي مااتفقت عليه الدول الدستوريه التي تحترم قواعد القانون والعدالة ولا تتدخل في شؤون القضاء ويكون فيها واجب الرئيس الدستوري هو مراعاة تنفيذ القوانين وليس سنها أو تشريعها. ومنها قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة (40/32) في 29/تشرين الثاني/1985 و (40/146) في 29/كانون الثاني /1985 الذين أوردا المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية و السبل التي تؤدي إلى هذا الاستقلال فالدستور في هذه الحالة لا يمنح الرئيس سلطة بقدر ما يفرض عليه واجبًا ومسؤولية تتمثل في تحقيق سيادة القضاء دون التدخل في اختصاصاته. فوجود سلطة قضائية مستقلة يعني وجود ضمانة قوية لسلامة تطبيق القانون بصورة محايدة وموضوعية في مواجهة كل أطراف المنازعات وسواء كانت تلك المنازعات بين ألإفراد أنفسهم أو كانت بين الأفراد وبعض أجهزة الدولة ومؤسساتها، ومبدأ سيادة القانون يقتضي وجود سلطة قضائية مستقلة. واساس استقلال السلطة القضائية يعني أن القضاة فقط دون غيرهم هم المعنيون بتطبيق احكام القانون على المنازعات والدعاوى بين الأفراد أو بين الأفراد وأجهزة السلطة وأنهم دون غيرهم الذين يصدرون القرارات بتجريم أفعال معينة وفقاً لما تنص عليه القوانين الجزائية ويصدرون عقوبات معينة تطبيقا لتلك القوانين وقد حدد القانون اجراءات معينة للطعن بتلك القرارات لحين وصولها الى اخر مراحل الطعن قبل ان تصبح تلك الاحكام نهائية وفقا للاجراءات القضائية لتكتسب بذلك الحجية القانونية التي تجعلها ملزمة لكافة المواطنين والمؤسسات الاخرى بضمنها مؤسسة الرئاسة . ولا يجوز لجهة في الدولة أيا كانت أن تتداخل في أعمال القضاة أو أن تطلب تطبيقا معينا لنص معين أو أن تفرض حكما معينا في قضية معينة. يقصد بحجية الحكم القضائي أن الحكم يتمتع بنوع من الحرمة بمقتضاها تمتنع مناقشة ما حكم به في دعوى جديدة، فالقانون يفترض أن الحكم هو عنوان الحقيقة، أي أنه صدر صحيحاً من حيث إجراءاته، وأن ما قضى به هو الحق بعينه وجدير بالذكر أن الحكم الذي يحوز حجية الأمر المقضي يجب أن يتوافر فيه الشروط التالية: أن يكون حكماً قضائياً صادراً عن جهة قضائية بموجب سلطتها القضائية أن يكون الحكم صادراً من محكمة لها ولاية الفصل في موضوعه، أي أن تكون المحكمة التي أصدرته مختصة اختصاصاً ولائياً أو وظيفياً بنظر الدعوى التي صدر فيها الحكم أن يكون حكماً قطعياً، لأن الحجية لا تثبت إلا للحكم القطعي، وهو الحكم الذي يحسم موضوع النزاع في جملته أو في جزء منه، يستوي أن يكون حكماً موضوعياً أو حكماً إجرائياً فاذا توفرت الشروط اعلاه في الحكم القضائي اصبح حجة في مواجهة الجميع وهذا يسري على احكام الاعدام التي تصدرها المحاكم العراقية وفقا للقانون فاذا اصبحت تلك الاحكام قطعية اصبحت ملزمة حتى لرئيس الجمهورية وانفاذ حكم القضاء في هذه الحالة يصبح واجبا وليس رخصة . واذا نظرنا الى الدستور العراقي لعام 2005 نجد بان المشرع الدستوري العراقي قد حصر سلطة التصديق على احكام الاعدام بشخص رئيس الجمهورية الا ان الدستور لم يتحدث عن امتناع الرئيس عن التصديق ففي هذه الحالة يبقى الامر معلقا ويبقى الشخص المدان في مكان الحجز دون تحديد المصير فالقضاء لايمكنه ان يعود عن حكم نهائي قطعي مر بكافة مراحل الطعن التي نص عليها القانون والسلطة التنفيذية لايمكنها ان تنفذ الحكم القضائي بدون مصادقة الرئيس والاخطر من ذلك فان تشكيك السيد الرئيس بالاحكام القضائية بحد ذاته يعتبر ضربا لمبدا الفصل بين السلطات . قد لانرضى على بعض الاحكام التي اصدرها القضاء وقد يختلف البعض مع بعض السادة القضاة حول احكام قد يكونوا اصدروها كما قد نختلف على عقوبة الاعدام ذاتها مابين مؤيد ومعارض الا ان الواجب الدستوري والقانوني يحتم على الجميع بضمنهم السيد الرئيس احترام تلك الاحكام التي اقسم على احترامها ويكفي ان نذكر بموقف الرئيس السابق الاستاذ جلال طالباني الذي ارتاى بان مبادئه التي امن بها تمنعه من المصادقة على احكام الاعدام فقام بتخويل نائبه بالتوقيع ولم يقم بتعطيلها . وفي هذا السياق يجب ان نذكر بان قانون العقوبات قد جرم امتناع الموظف العام عن تنفيذ الأحكام أو القرارات القضائية، وحدد عقوبة لمن يثبت ارتكابه هذا الفعل، والعلة التشريعية من هذا النص هى كفالة احترام أحكام القضاء، وكفالة حق اللجوء للقضاء واخيرا نقول بانا إذا كنا ننشد دولة قانون وعدالة لابد أن يلتزم الجميع بتنفيذ الأحكام القضائية، وطالما أن الحكم نهائيا، وأصبح واجب النفاذ واستنفذ كل سبل الطعن عليه فلابد من تنفيذه. |