امران خطيران حفلت بهما ساحة الاحداث في المدة الماضية، احدهما تمثل بحريق اندلع في غرفة عقود وزارة الصناعة والمعادن، قالت عنه لجنة النزاهة النيابية ان "حرق غرفة العقود في وزارة الصناعة والمعادن جريمة بحق العراق و ان احتراق الغرف المهمة في الوزارات مؤشر خطير جداً على أداء الحكومة، لأنه ربما يأتي لتضييع آثار جريمة الفساد"، اما الامر الآخر الذي لفت الانظار فهو اعلان وزارة الكهرباء عن فقدانها 1200 ميغاواط من منظومة الطاقة الكهربائية من جراء "استهداف" خطوط نقلها جنوبي بغداد، و بسبب "انخفاض" ضغــط الغاز المجهـــز. لقد تزامن حريق الصناعة مع حرائق اخرى في بغداد وفي الناصرية، وتسبب في انبثاق المخاوف من جديد من حرائق قد تطال وزارات ومؤسسات اخرى؛ ما يذكرنا بحرائق مماثلة جرت في السنوات الماضية، ارتبطت بتزايد الإنباء بشأن الشروع في محاربة الفساد والمفسدين، والنظر في الملفات المتعلقة بالعقود التي ابرمتها الوزارات في زمن الحكومات السابقة، التي اعلن فيها عن تخصيص وصرف الاموال من دون ان ينتج عن ذلك مشاريع حقيقية. اما عمليات استهداف الابراج الناقلة للطاقة الكهربائية، فقد عادت الى الظهور مرة اخرى بعد انقطاعها لمدة طويلة، واثر التحسن النسبي في تزويد الناس بالطاقة الكهربائية، وكانت الانظار تتجه الى استكمال بناء المحطات في بداية الصيف المقبل، كي يتسنى التزود بطاقة كاملة على مدار الساعة تنقذ الناس من حر الصيف اللاهب؛ و يخشى الناس من ان تنبثق مرة اخرى مخاوف الصراع الذي يدفع ثمنه السكان، بين وزارتي الكهرباء والنفط، اللتين منحتا على وفق الانتماءات المذهبية؛ اذ جرى تجاوز المطلب الشعبي الذي كان يدعو الى تشكيل وزارة واحدة تضم النفط والكهرباء باسم وزارة الطاقة بإدارة واحدة؛ لتجنب الصراع المرير الذي عانى الناس من نتائجه المدمرة طيلة الاثنتي عشرة سنة الماضية. وفيما يتعلق باستهداف الخطوط جنوبي بغداد، كان من الضرورة ان يجري توفير الحماية لها، ترافقاً مع العمليات العسكرية الجارية، التي تحقق فيها القوات الامنية مكاسب ملحوظة. ان الاخفاق في توفير بدائل للملفات و الوثائق الورقية المتعلقة بالعقود المبرمة في مواقع الوزارات، برغم دعاوى بعض الجهات من انها انجزت مشاريع الحكومة الالكترونية، يشكل فضيحة كبرى، لا تعفي الجهات المعنية من اتهام بعضها بالتسبب في تلك الحرائق، او حتى الاسهام فيها، كما لم تعد مسوغات التماس الكهربائي تقنع احداً، اذ ان معظم الحرائق المضرمة، جرت في الليل، أي في ظل عدم وجود أحمال على الشبكات الداخلية؛ لتواجد الموظفين في منازلهم، اضافة الى اطفاء معظم الاجهزة التي تتسبب بصورة رئيسة في الحرائق، ومنها المدافئ والمكيفات، كما ان عودة الحرائق في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن نيتها في التحرك لكشف ملفات الفساد، ورفعها الى القضاء، وتأكيد رئاسة الوزراء على ضرورة دحر المفسدين، تلقي ظلالا من الشك على مزاعم التماس الكهربائي، وتسببه في الحرائق. يتخوف الناس، ولهم مسوغاتهم المشروعة من مثل تلك المخاوف، من ان جهات عدة تحاول الالتفاف على الاجراءات التي اعلنت الحكومة انها ستشرع بها لمحاربة الفساد، وقد يكون منهجهم المتبع اضافة الى تحريك اياديهم الخفية وافراغ الاجراءات التنفيذية والقضائية المحتملة من محتواها هو الالتفاف على ذوي الشأن؛ واللجوء الى الاسلوب التقليدي ذاته الذي درجوا على اتباعه طيلة السنوات الماضية، والمتمثل فيما يتعلق بالقضيتين المطروحتين، بتحريك تلك الايادي لاستهداف ذلك المرفق الحيوي الذي لا غنى عنه لإدامة نسغ الحياة، ونعني به الكهرباء، هادفين من وراء ذلك الى افشال المساعي الرامية لتوفير تلك الخدمة؛ اضافة الى افساح المجال مرة اخرى لمافيات السوق، لإدامة عمليات استيراد المولدات والمتاجرة بها مع انعدام اي صناعة محلية بهذا الشأن. هذا من جانب؛ اما اسلوب حرق الاقسام المختصة بالعقود او الملفات الحساسة، فلقد اتبع في اوقات سابقة مثلما حصل في وزارتي الصحة والداخلية وغيرهما وشمل حتى الاسواق، في سنين خلت؛ والغريب في الامر انه حين يجري التلميح الى ان الحرق متعمد والتحذير من حرائق اخرى محتملة، فان الجهات المعنية بأمر تلك العقود او التي تحتفظ بملفات مهمة تتعلق بعمليات الشراء والمناقصات والمشاريع، لا تلجأ الى ابسط الوسائل التي تحفظ لها محتويات تلك الاوراق حتى لو تلفت، ونعني بذلك الاستفادة من الطرق التكنولوجية الحديثة في حفظ الوثائق في اقراص، او رقائق ذاكرة متناهية الصغر، يمكن الاحتفاظ بها في اي مكان ونسخ محتوياتها لأكثر من مرة؛ وان العجز والتهاون في تحقيق ذلك، يبين لنا عظم المخاطر التي تقف وراء عمليات الحرق، وكذا الحال مع الايادي المنفذة لعمليات استهداف ابراج الطاقة الكهربائية وتخريبها. و مثلما جرى التأكيد في اكثر من مرة على ضرورة ان تتبع العمليات العسكرية التي تحقق المكاسب في الجبهة، عمليات حماية للمنشآت المتعلقة بممتلكات البلد العامة، فان من الضروري ان تتخذ تلك الاجراءات في هذه المدة بالذات، حيث تتصاعد وتيرة المواجهات العسكرية، واذ تشدد الحكومة على الحاجة الى مطاردة الفساد والفاسدين، وحيث يتحرك الفاسدون لإدامة سطوتهم عن طريق اساليبهم المعهودة التي لم تعد غريبة لنا، ومنها اشعال الحرائق وتخريب البنى التحتية و في مقدمتها منشآت الكهرباء.
|