أسرار وخفايا الغزو العراقي للكويت .. صدام لمبارك: لن أستخدم القوة تجاه الكويت قبل استنفاد جميع الإمكانات عبر المفاوضات |
الذي لم يُطلع الكويتيون القليبي عليه هو شيء آخر كانوا يفكرون فيه. فمن المرجح أنهم كانوا يعتقدون بأن الورقة الأخيرة في أيديهم هي دعم الولايات المتحدة لهم. ذلك انهم اولا لم ينسوا أن الأميركيين سمحوا لهم خلال الحرب العراقية الإيرانية بأن يرفعوا الأعلام الأميركية على ناقلاتهم. وأن ذلك كان بمثابة دليل على وقوفها إلى جانبهم. وهناك وثيقة غريبة مؤرخة في 22 نوفمبر 1989 يدعي العراقيون أنهم عثروا عليها في وزارة الخارجية الكويتية في أعقاب استيلائهم على الكويت. لكن بيتر ايرنست الناطق باسم وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إي) أصدر في 30 تشرين الأول 1990 تصريحا وصف فيه الوثيقة بأنها مزورة. لكنه اعترف في تصريحه بأن الشيخ الصباح نائب مدير أمن الدولة الكويتية قام في نوفمبر 1989 ـ كما تقول الوثيقة ـ بزيارة للقاضي وليم وبستر مدير الوكالة. على أن الحكومة العراقية واصلت القول بأن الوثيقة صحيحة. ومهما يكن من أمر صحتها فإنها وثيقة طريفة. إن هذه الوثيقة عبارة عن مذكرة قيل إن فهد أحمد الفهد مدير أمن الدولة الكويتية أرسلها إلى وزير الداخلية وتقول الفقرة الخامسة منها: "اتفقنا مع الجانب الأميركي على أهمية الاستفادة من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في العراق لممارسة الضغط على الحكومة العراقية لرسم الحدود المشتركة. وقد أطلعتنا وكالة الاستخبارات المركزية على وجهة نظرها حول الوسائل المناسبة للضغط قائلة بأنه لا بد من إرساء التعاون بيننا على نطاق واسع بشرط أن يجري تنسيق النشاط على المستويات العليا". ويشير مدير أمن الدولة أيضا الى أنه قام بزيارة لوانشطن استغرقت ستة أيام (12ـ 18 نوفمبر) وعقد خلالها عدة اجتماعات سرية للغاية مع كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الذين عبروا عن عدم رضاهم عن أداء الحرس الأميري المكلف بحماية الأمير. وكان الأمير قد تعرض لمحاولات لاغتياله. وتقول المذكرة ان الوكالة أيدت استعدادها لتدريب 123 شخصا تختارهم السلطات الكويتية لكي يقوموا بعد ذلك بحماية الأمير وولي العهد. ترى هل تجاوز الكويتيون الحد لأنهم كانوا على يقين من أن واشنطن لن تتخلى عنهم؟ كان زعماؤهم واثقين من الدعم الأميركي منذ زمن طويل وخصوصاً منذ عام 1987 أي منذ أواسط فترة الحرب العراقية الإيرانية عندما رفعت الأعلام الأميركية على ناقلاتهم لحماتيها. وفي ذلك الوقت تماماً أعلن البرلمان العراقي قراره الذي اتخذ بالإجماع برئاسة صدام حسين مدى الحياة. في 24 تموز وصلت أخبار إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إي) مفادها أن فرقتين عراقيتين غادرتا قواهما للتمركز على الحدود الكويتية. وفي صباح ذلك اليوم وصل حسني مبارك إلى بغداد في مهمة وساطة. ولم يكن اختيار الجامعة العربية له الأفضل نظرا للشكوك المتبادلة بين صدام حسين وبينه. ومهما يكن من أمر فإن صدام حسين قال له: "لن استخدم القوة.. لن استخدمها قبل استنفاد جميع الإمكانات عبر المفاوضات. لكن يا أخ مبارك لا تقل هذا للكويتيين لأنه لن يزيدهم إلا غروراً". وفي اعقاب هذا مباشرة غادر مبارك العراق إلى الكويت حيث أبلغ بعض ما سمعه إلى الأمير. قال له: "لا تقلق يا صاحب السمو فقد سمعت من صدام نفسه أنه لن يرسل قوات وأنه لا يعتزم مهاجمة الكويت". وهكذا فإنه لم يضف إلى ذلك عبارة "قبل استنفاد جميع الامكانات عبر المفاوضات". ونقل مبارك العبارات المجتزأة ذاتها لواشنطن. وفي 25 تموز استدعى صدام ابريل غلاسبي السفيرة الأميركية. ولما كانت قد أبلغت بموعد المقابلة قبل ذلك بساعة فقط فإنه لم يكن لديها الوقت الكافي لإبلاغ وزارة الخارجية بواشنطن والتزود بتعليماتها. وأدخلت السفيرة على الرئيس العراقي في الساعة الواحدة بعد الظهر. وبدا عليها التوتر وهي تهم بإجراء مقابلتها الخاصة الأولى معه. وجاء الحديث الذي جرى بينهما مفاجئا وحتى مزعجا. واستطاعت شبكة "إي بي سي" الحصول على تسجيل للحديث الذي يعتبر وثيقة كبرى بالنظر إلى ما يشتمل عليه من دلالات بعضها غير عفوي ولكن تستحق أن نوردها. حضر المقابلة طارق عزيز. واستهلها صدام بالترحيب بغلاسبي ودعاها إلى الجلوس قائلا: "لقد استدعيتك لإجراء حوار سياسي شامل معك، وفيه رسالة موجهة إلى بوش". قال صدام: "تعلمين انه لم يكن هناك علاقات بيننا وبين الولايات المتحدة إلى عام 1984. كما أنك تعرفين الظروف والأسباب التي أدت إلى قطع العلاقات. على أن قرار استئناف العلاقات اتخذ عام 1980 أي خلال الشهرين اللذين سبقا حربنا مع إيران. وعندما بدأت الحرب ولتجنب أي سوء تفسير أجّلنا إقامة العلاقات على أمل أن تنتهي الحرب في الحال. فلما تبين أن الحرب ستطول، وللتأكيد على أننا دولة غير منحازة، كان من المهم أن نعيد إقامة علاقاتنا بالولايات المتحدة. وكان هذا في عام 1984. ومن الطبيعي القول بأن الولايات المتحدة ليست كبريطانيا مثلا ذات العلاقات التاريخية مع الشرق الأوسط، بما فيه العراق. ثم إنه لم تكن هناك علاقات بين العراق والولايات المتحدة بين عامي 1967 و1984. ويمكن للمرء أن يستنتج أنه من الصعب على الولايات المتحدة أن تتوصل إلى تفاهم تام مع العراق حول كثرة من الأمور. على أنه عندما جرى استئناف العلاقات كنا نأمل في تفهم أفضل وفي تعاون أفضل لأننا أيضا لا نفهم خلفيات كثرة من القرارات الأميركية. وتعامل أحدنا مع الآخر خلال الحرب وعلى مستويات مختلفة أهمها مستوى وزيري الخارجية. وكنا نأمل في تفاهم مشترك أفضل وفي فرصة أكبر للتعاون وذلك لفائدة شعبينا وباقي الأمم العربية. لكن هذه العلاقات أصيبت بشروخ. ووقع الأسوأ منها في عام 1986 وبعد سنتين فقط من إرساء تلك العلاقات خلال ما يعرف "بإيران غيت" التي وقعت سنة احتلال إيران لشبه جزيرة الفاو. ومن الطبيعي القول بأن قدم العلاقات وتعقد المصالح المتبادلة قد يمتصان الأخطاء. لكن عندما تكون المصالح محدودة والعلاقات حديثة العهد فإن التفاهم يصبح سطحيا وقد تؤدي الأخطاء إلى نتائج سلبية. وقد يحدث أحيانا أن يكون تأثير الخطأ اكثر خطورة من الخطأ ذاته. |