الطائفي عاطفي!!

 

 

لماذا يكون الشخص طائفيا؟!

 

تساؤل يستحق منا التفاعل العقلاني , وإستحضار الجواب الواضح والصريح , لكي نعرف سلوكنا , ونتعلم مهارات تصحيح مسارات تفاعلاتنا , وتحرير طاقاتنا من متاهات التبديد والخسران.

 

السلوك الطائفي سلوك إنفعالي شديد العاطفة , ومشحون بالقوة السلبية اللازمة لتعزيز نمائه وتأكيد دوره.

 

ولا يمكن عزل الطائفية عن العاطفة.

 

ذلك أن العاطفة المتأججة تتملك العقل وتسخره لأغراضها , وتحوّله إلى آلة لتبرير إتجاهاتها وتحقيق تداعياتها , فيكون العقل عبارة عن آلة للتبرير والإسقاط والإنكار , والتأسيس لآليات الخداع والتضليل الضرورية لإنقطاع الطائفي عن واقعه الذاتي والموضوعي.

 

فالطائفي يقوم بأعمال تتقاطع مع أبسط ما يقره دينه وعقيدته , لكنه يسوّغ ذلك بإنحرافات تفكير , ويقيّد عقله بإرادة العاطفة الفاعلة فيه , والماحقة لمنطق الحقيقة وطبائع الأمور والأشياء.

 

أي أن الطائفي عبارة عن كتلة منفعلة مشتعلة لا تعرف الإخماد , بل تزداد تأججا بتفاعلها مع أمثالها , حتى لتجد الطائفيين قد صنعوا طائفة من نار ودخان , وكأنها الجحيم الذي يأكلهم وغيرهم , لأن في ذلك السلوك رغبة التحول إلى سجير , وإنتحار فردي وجماعي تفرضه إرادة الإنفعال الأعمى واللاواعي المُضلَّل , الذي تذكيه وتديمه جمرات جمع المتنافرات في وعاء الذات.

 

ترى كيف يتحول الشخص إلى طائفي؟

يبدو أن للتربية دور فعال في صناعة النفس الطائفية , والسلوك الطائفي , لأن التربية ترفد الأعماق بمفردات تتفاعل وتتكاثف لتصنع حالتها المعبرة عنها , فيما يبدر من الشخص كفرد أو كمجموعة.

 

وفي المجتمعات التي تجهل أصول التربية المعاصرة , فأن الوالدين يؤسسان للطائفية , فعندما يعاني الطفل من الحرمان الأبوي أو الأمومة , وتبقى حاجاته ناقصة , فأنه سيسعى لتعويضها وإرضائها في مراحل عمرية أخرى , وبهذا يحقق نكوصا في سلوكه.

 

والإنتماء العاطفي للأب أو الأم , إن لم يصل إلى غايته , ويشبع الرغبة الكامنة في أعماق الشخص , فأنه يترك فراغا , أو تجويفا يؤثر على السلوك ويتطلب إمتلاءً , وعندها يكون ميالا للتعويض عن الفقدان الذي عاناه.

 

وتكون الطائفة أو الفئة أو الحزب الأم أو الأب , ولكن بطاقات إنفعالية محتقنة وعالية الضغط والشدة , لكي تحقق التعويض ومعاناة الفقدان المريرة.

 

ولهذا فأن السلوك الطائفي يكون منفعلا , ولا يخضع للمنطق , ويمتاز بالإندفاعية العالية والتأثيرات الماحقة , ومحكوم بالخوف من فقدان الإنتماء المعوِّض عن فقدان الإرضاء والإشباع للحاجات الأساسية ,  التي أصابها الحرمان بسبب الجهل والتعسف التربوي الذي عاشه الشخص, فنشأت عنده عاهات نفسية وإضطرابات سلوكية تستوعبها آليات التعصب المُرضية للحاجات الجائعة فيه.

 

إن آليات التربية البالية المكررة , وعدم التواكب مع معطيات العصر , وفهم الضرورات السلوكية والحاجات الأساسية , التي على الوالدين إرضائها عند أطفالهم , ترسم خارطة مستقبل السلوك العائلي والإجتماعي , وترفد المجتمع بحالات سلبية مدمرة , كالطائفية وأخواتها.