هل تسترجع الكويت دروس الماضي؟ |
في سابقة غير معهودة وغير مبررة من جانب مجلس الأمن الدولي، أقدم في أكثر قراراته مجافاة لواجباته المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وهي الحرص على تثبيت ركائز السلم والاستقرار الدوليين أقدم على فرض حدود إذعان بقوة الأمر الوقع الأمريكي على العراق مع الكويت، فالقرار 833 لعام 1993 والذي تولى مهمة رسم الحدود بين العراق والكويت، اتخذ تحت لافتة صيانة السلام العالمي وتجنيب المنطقة ويلات نزاعات مسلحة قد لا تجد لها نهاية، على حين أنه أعطى أسوأ وصفة لتوترات متصلة في المنطقة ولن تتوقف ما لم ترجع الحقوق المستباحة إلى أهلها الأصليين، ذلك أن إحداث تغييرات على الأرض استنادا إلى نتائج استخدام القوة المسلحة وغير المتكافئة، يعد المدخل الأكثر احتمالا لنزاعات سياسية يمكن أن تتحول في أية لحظة إلى نزاعات مسلحة، عندما تتغير موازين القوى أو تتغير التحالفات السياسية بين الدول إقليميا ودوليا، في عالم يشهد اليوم أسرع تغيرات على مستوى العلاقات الدولية ومكانة الدول فيها. مجلس الأمن الدولي ليس من حقه ولا من واجبه أن يستند على متغيرات عسكرية لإحداث تغييرات جغرافية، لأنه بذلك يتحول عن أهدافه الحقيقية إلى الضد منها، أي إلى نصب الفخاخ لدول المنطقة بذريعة الدفاع عنها، وإلى اختلاق الأزمات الكبرى والمؤجلة الانفجار لحين توفر الصاعق اللازم والكفيل بتفجيرها، إما لأن الطرف الذي شعر بالغبن بفعل اختلال موازين القوى قد استعاد قوته كلا أو جزءً، أو لأن الأطراف التي كانت تقف وراء فرض القرارات المتصادمة مع ميثاق الأمم المتحدة قد وهنت قبضتها على المنظمات الدولية فتمت استعادة التوازن العسكري، أو لأن الطرف الذي كان ضحية لعقود الإذعان الجائرة التي فرضتها نتائج الحرب، استعاد قدرته العسكرية ومكانته السياسية وفعاليته الاقتصادية بحيث بات قادرا على رسم مسارات سياسيته استنادا إلى حقائق التاريخ فيبدأ تململه مما كان قد فرض عليه بقوة السلاح. إن أزمة السلطة القائمة في الكويت ليست مع نظام حكم بعينه أو سلطة أو حكومة في العراق، بل هي أزمة مع الدولة العراقية شعبا وتاريخا وجغرافية، بعيدا عن كل ما يطرح من أيديولوجيا أو متغيرات سياسية، ولعل الخطيئة الكبرى التي ارتكبها حكام الكويت هي تلك التي قبلوا فيها بالتوسع على حساب الأراضي العراقية استعانة بمخالب مستوردة من الخارج ولن يكون بوسعها البقاء إلى الأبد في المنطقة أو تحمل التبعات الأخلاقية والقانونية للدفاع عن جهات طارئة على هذه البقعة من الأرض، وفي أول لحظة مواجهة وضعت أطراف من الخط الأول في مسؤولية الحكم (دشاديشها) وفرت من الساحة لا تلوي على شيء، لأنها لم تجد بينها وبين الأرض التي تتحكم بها في هذه اللحظة العابرة من الزمن رابطة تستحق التضحية أو تستأهل المجازفة، إنها طبقة مستوردة في زمن الصفقات السوداء المعقودة تحت الطاولة بين قوى الشر القادمة من وراء البحار، وعندما وقعت الواقعة هامت في صحراء ماضي تنقلها في مفاوزها والذي ليس من المستبعد أن تعود إليها يوما. ما كان هناك ما يشدها إلى الأرض الجديدة ما يدعوها إلى التفريط بحيات أحد من أفرادها من أجلها، فهي ليست أكثر من حارس بقوت يومه لا يدعوه واجبه إلى المجازفة بحياته من أجل مخزن وضع فيه حيث يراد منه أن يلعب دورا ممغنطا لجلب أساطيل العالم إلى المنطقة كلما وجدت الدول المالكة لتك الأساطيل أن مصلحتها تتطلب تأزيم المشهد كي تحضر بجيوشها والتذكير بزمن الفتوحات الاستعمارية وتطرح سببا لذلك أن حارس الأرض طلب منها ذلك. لم يكن من واجب الأمم المتحدة في أي يوم من الأيام أن تنوب عن الدول في حال تعرضها للتقسيم، رسم خطوط الحدود الوهمية بين أقاليمها كما فعلت بقرارها 833 لسنة 1993، فالحدود الوهمية هذه، هي نقطة التقاء رمال الصحراء مع مياه الخليج العربي لترسم بالنتيجة ثنائية الصراع والتوافق بين الماء والسراب والثروة، ولتخفي وراءها أطماع شركات النفط المتحالفة مع بيوت المال الصهيونية ومصانع السلاح الكبرى في العالم، وأطماعها في تقليص تكاليف الإنتاج إلى حدوده الدنيا عن طريق استئجار مرتزقة محليين ربما هم النسخة الأولى من شركة بلاك ووتر ولكنهم بعقال فوق كوفية وعلى ظهور الجمال، ليتولوا نيابة عن تلك الشركات حماية مكامن النفط، ولهذا لم يساورنا الشك بأن المنطقة مقبلة على تقاليد جديدة حين تحول الوهم إلى حقيقة، فقد تحول متسولو تمور البصرة بالأمس من حراس لصوص، إلى لصوص هاربين لا يجرأون على حمل متاع يوم واحد. نعم ليس من واجب الأمم المتحدة قطعا، لأنها تحّول خط الحدود الوهمي إلى حقل ألغام ولتقول هنا تبدأ حدود سايكس بيكو النفطية وهنا تنتهي، على أمل تغيير مسارها بما يقسم المقسم ويجزأ المجزئ، لكن هذا ليس خاتمة المطاف إذ لا يمكن أن تفرض القوة العسكرية بين الدول المتحاربة حقائق الجغرافية العسكرية وتحولها إلى حقائق تاريخ وجغرافيا سياسية، كما حصل في فلسطين ويدفع العرب أثمانا متصلة لخطيئة قرار التقسيم لعام 1947، أو كما حصل في الغزو الفارسي لإقليم الأحواز، وللجزر العربية في مياه الخليج العربي ليس في أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى فقط، وإنما في جزيرة جسم والتي تم تحويل اسمها إلى قشم. ويبدو أن الأمم المتحدة التي خضعت لإرادة الولايات المتحدة المنفردة بعد العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991، وحينما كان العصر الأمريكي يبدو وكأنه حقيقة كاملة بعد انكفاء الاتحاد السوفيتي القديم وبروز عصر الأحادية القطبية، تجاهلت أسباب نشوب الحرب العالمية الثانية حينما تجاهلت ما لحق بألمانيا من إجحاف في اتفاقية فرساي والتي فرضت شروط المنتصرين في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا التخلي عن جزء من أراضيها، حتى أصبحت اتفاقية فرساي الموقد الذي طبخت فوقه لحوم ضحايا الحرب العالمية الثانية من محاربين ومدنيين وسحقت مدنا تحت جنازير دباباتها، لأن فرنسا حينما رضيت بأن تأخذ من ألمانيا ما ليس لها بحق أو أكثر من حقها، فإنها هي التي أغرت المظلومين بالثأر لأنفسهم، ولهذا رأينا كيف أن جيوش ألمانيا النازية حينما دخلت باريس في واحدة من أخطر مراحل الحرب العالمية الثانية، كان من أهم المهمات الموكولة إليها تدمير القاطرة التي تم فيها توقيع اتفاقية فرساي، والتي كانت فرنسا قد وضعتها في موقع بارز في المنطقة ليكون نصبا يزار للتذكير باستسلام ألمانيا، ولكن سلوكا طائشا كهذا كان ضارا إلى حدود بعيدة جر العالم إلى ويلات حرب طاحنة أكلت نحوا من 60 مليون إنسان. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية ثم خسرت ألمانيا الحرب مرة أخرى وجلس حملة سكاكين اقتسام اللحم الألماني في بوتسدام القريبة من برلين، ظلت وحدة ألمانيا تعيش داخل ضمائر أهلها، ومع أن وحدتها كانت هدفا مقدسا لدى جمهوريتين أقامهما الشرق والغرب، فإن تلك الوحدة كانت خطا أحمر عند الدول الأربع المنتصرة والتي كانت آلياتها تدوس على كرامات الألمان قبل أن تقطع الشارع الرابط بين شطري برلين عبر بوابة براندنغ بيرغ، ولكن ألمانيا عادت واحدة كما كانت على الرغم من أن الأمم المتحدة سمحت في خطوة لئيمة بوجود دولتين ألمانيتين في عضويتها، عادت ألمانيا وأصبح اقتصادها الأول في أوربا وتخطت الدول التي انتصرت عليها وجلست في بوتسدام لتوقع على شهادة وفاتها. أن تتحول الأمم المتحدة إلى قارئة فنجان لتبرير الأعمال القبيحة التي تتدخل بها بناء على قراءات مغرضة، وتتحول إلى مقاول حرب يتولى زرع الألغام في الطرقات الآمنة، فذلك انحراف خطير عن واجبها الرئيس في نزع الألغام في أي مكان وجدت فيه، ويعد ذلك تحول عن أهدافها السامية التي جاءت في ميثاق سان فرانسيسكو الذي تشكلت به الأمم المتحدة، والذي كان العراق واحدا من الدول التي وقعت عليه، ومهما كانت الظروف فلن يدفع العراقيون ثمن خطايا المجتمع الدولي وأخطاءه أبدا، وإذا كانت حكومة عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي شريكا في وليمة الشيطان لتقديمه قربانا لأكلة لحوم البشر وتجار الدم في السوق السوداء، فإن العراقيين أنفسهم هم الذين ينهضون دفاعا عن أرض كانت مهدا لكل ما تلقاه الرسل من ربهم لنقله إلى سكان المعمورة، وهي الأرض التي أغرقت في طوفان نوح كل المارقين الذين خرجوا على إرادة الله والخير، والعراق هو أرض الله التي اختصها بكل ما أنجزه الإنسان من إبداعات ما تزال سببا في كل ما نعيشه من أسباب التطور، فلولا الكتابة والحرف الأول الذي نشأ وترعرع في سومر والوركاء وبابل، لما كان هناك تراكم للخبرة والتوسع في المعرفة إلى أفاقها الرحبة، ولولا العجلة التي كانت فتحا في عوالم النقل والفتوحات، لما استطاعت مكائن الطائرات والصواريخ والمركبات أن تدور وتزود الإنسان بالماء والكهرباء، فمن تجرأ وألقى بإبراهيم في النار هو أول من احترق بها ونجا إبراهيم وبقي اسمه يتردد في الأرجاء مع كل دعاء يطلب الخير، وذهب الطغاة تلاحقهم اللعنات. |