العراق تايمز: كتب حسين رشيد..
لم يعد بمقدور بيداء(28عاما) الانتظار والصبر أكثـر، وهي ترى حالة طفلتها التي تصرخ طوال اليوم طلبا للحليب الذي لا تتوفر النقود الكافية لشرائه ، بعدما عجز صدرها عن تلبية الطلب، فقررت مصاحبة طفلتها في الرحلة الأبدية، صابةً كمية من(الكاز) على جسدها وجسد ابنتها ذات السبعة اشهر، لكن القدر أنقذ الطفلة من الموت المحقق وهي ترقد الآن في احد المستشفيات بحالة غير مستقرة. كانت عائلة بيداء قد سكنت في(كرفان) منحته إياهم احدى قريباتها بصورة مؤقتة لحين الحصول على آخر خاص بهم، لكن الإجراءات الروتينية وعدم حصولهم على البطاقة التموينية ،التي تعد المستسمك الأهم والمعتمد، منعتهم من الحصول على(كرفان).
في تصريح صحافي قالت السيدة إيمان ياسين الأمين من مكتب النازحين في (منظمة عمار الدولية) ان المواطنة المنتحرة نازحة من قضاء تلعفر ، تقيم في احد (الكرفانات) منحته لها احدى قريباتها بصورة مؤقتة، وهو مما خصصتها مؤسسة الشهداء لإيواء النازحين الى المحافظة. وأكدت الأمين ان (بيداء) أقدمت على الانتحار بعد ان فقدت الأمل في تحسين أوضاعها وإنهاء معاناتها، وذلك لعدم حصولها على البطاقة التموينية التي تعد المستمسك المهم المعتمد لحصولها على كرفان. كما أنها كانت تعاني حالة صحية متردية للغاية، كونها تعيش بكِلية واحدة.، مع عدم توفر الرعاية الصحية الكافية لها، رغم مراجعاتها المتكررة الى المؤسسات الصحية. كما ان مراجعاتها للمؤسسات المعنية بإصدار البطاقة التموينية لم تثمر عن شيء ما دفعها لوضع نهاية مؤلمة لمعاناتها وحياتها.
وهذه ليست الحالة الأولى التي تحدث في مخيمات النازحين، فقد سبق وان انتحرت امرأة بسبب العوز المادي وعدم قدرتها على رؤية أطفالها على هذا الحال، ناهيك عن حالات الطلاق الكثيرة التي حصلت واغلبها بسبب الوضع المادي الصعب التي تعاني منه الأسر النازحة. فبعض العوائل ترك كل شيء خلفه وهرب بجلده كما يقال. وحتى منحة المليون دينار الحكومية استلمت قبل اشهر وصُرفت.
تقرير دولي وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر مؤخرا قالت كبيرة مستشاري الأزمات في المنظمة دوناتيلا روفيرا: "إن العديد من اللواتي وقعن ضحية عمليات استعباد جنسية، يبلغن من العمر 14 أو 15عاماً وحتى أقل من ذلك، وأفادت بأن شابة اسمها جيلان وتبلغ من العمر 19 عاماً، أقدمت على الانتحار خوفاً من تعرضها للاغتصاب، بحسب شقيقتها التي تمكنت لاحقا من الهرب."
وأوضحت "أن الشابة أقدمت على قطع عصب معصمها وشنق نفسها"، مضيفة: "أعتقد أنها كانت تدرك أنها ستنتقل إلى مكان آخر برفقة رجل، ولهذا السبب أقدمت على قتل نفسها، وأبلغت رهينة أخرى المنظمة أنها حاولت الانتحار مع شقيقتها هرباً من الزواج القسري".
وأوردت المنظمة روايات لضحايا أخريات، منهن رندة (16 عاماً) التي خطفت وأفراد عائلتها، واغتصبها رجل يكبرها بضعف عمرها. وقالت الفتاة: "ما قاموا به بحقي وحق عائلتي مؤلم جداً."
وأشارت المنظمة الحقوقية الى أن غالبية الذين اتخذوا النساء والفتيات "سبايا" كانوا من مقاتلي داعش، إلا أن بعض المؤيدين للتنظيم قاموا بذلك أيضاً.
وقالت روفيرا أن "الحصيلة الجسدية والنفسية لأعمال العنف الجنسية المروعة التي مرت بها تلك النسوة، كارثية. وأن العديد منهن عذبن وعوملن كالرقيق. حتى اللواتي تمكن من الهرب، ما زلن يعانين من آثار صدمة نفسية عميقة."
القمل والجرب النازحون الى كربلاء ، الساكنون في حسينيات قضاء طويريج تحديدا ، أصيبوا بمرض(الجرب الجلدي) وانتشار القمل، وسلطات القضاء كانت حائرة في كيفية علاجهم. هذا ما ذكره مواطن شبكي رفض ذكر اسمه خوفا من ان يُطرد من المخيم. وحسب قوله فان إدارة القضاء تبحث عن الحجج لترحليهم. وبيّن ان الكثير من الناس يعانون من أمراض وضغوطات نفسية بسبب وضعهم الحالي وفقدانهم كل شيء في مدنهم التي نزحوا منها. مضيفا: تصور ان هناك عوائل خسرت كل ما تملك إضافة إلى العمل ، وستة اشهر مرّت على تسلم منحة المليون دينار من الدولة ، فماذا يفعل المليون وسط هذا الكم الهائل من العوز، والأمراض.
مضايقات اجتماعية أثناء التجوال في احد شوارع النجف كانت ثمة عائلة مكونة من الزوج والزوجة وثلاثة أطفال ما بين السنة الرابعة والعاشرة يقفون أمام احد المحال التجارية، حيث القى صاحب المحل عليهم محاضرة "إسلامية" بضرورة ارتداء العباءة والتحجب بشكل "اكثر حشمة"، وانه حتى الطفلة التي تبلغ من العمر 10 أعوام عليها التحجب فهي في "العمر الشرعي" كما قال. لم يكن أمام الرجل النازح الا سؤال صاحب المحل: وكم يبلغ سعر العباءة النسائية، انه يترواح ما بين 100 و 200 الف دينار. والخاصة بالأطفال بحدود 25 الف دينار، ما بالك بالذي لايمتلك ثمن وجبة الطعام وأجرة العودة الى المخيم؟
اقتربت منه بعد ان ترك المحل وعلامات النرفزة واضحة على معالمه. وقبل ان أحدثه تساءل: هل هناك محاضرة اخرى؟ تفضل، نحن نسمع فلا شيء أمامنا غير ذلك.. الجميع ينصح ويحذر والقليل جدا منهم يساعد ويفعل الخير.
وفي وقت سابق وفرت (حوزة دار الحكمة النسوية) 620 عباءة نسائية للنساء ضمن العوائل النازحة من محافظة الموصل وسهل نينوى إلى محافظة النجف الأشرف بالتعاون والتنسيق مع العتبة العلوية المقدسة ومجلس محافظة النجف الأشرف..
التحرش والاعتداء يبدو ان المثل القائل "من طلع من داره قل مقداره" قد طبق بشكل صريح في ظل أزمة النزوح الأخيرة وما شهدتها من حالات وأحداث لا أول لها ولا آخر. النازح او المهجر بات علامة مميزة في شوارع بعض المدن. من خلال الملبس او اللهجة. وبشكل خاص النساء اللواتي اعتدن على نمط معين من العيش والسلوك الاجتماعي المنفتح بعض الشيء بسبب طبيعة مدينة الموصل، الأمر الذي سبب لهن متاعب كثيرة في الشارع والتعامل اليومي.
لمياء(30 عاما) تقول: لم نكن نتصور ان الأمر يصل الى طلب الزواج المؤقت، وهذا ما حصل معي بشكل خاص. ما ان عرف صاحب المحل إنني أرملة وابحث عن عمل مناسب حتى عرض علي الأمر، وحين جابهته بالرفض بشدة صرخ بوجهي "احتشمي وتحجبي بشكل شرعي اولا من ثم تحدثي عن الالتزام"!. وقالت لمياء: هذه ليست الحالة الوحيدة او الأولى فقد صادفت هذا كثيرا. وأضافت: بعض النساء خاصة المطلقات او الأرامل رضخن للظروف القاسية والضغوطات الاقتصادية وتزوجن اكثر من مرة، وبعضهن سلك طريقا اخر للأسف.
زواج اضطراري ام حسن(50 عاما) أرملة اتخذت عائلتها من احدى المدارس مأوى قبل ان تنتقل الى بيت صغير في منطقة جسر ديالى، ذكرت أنها اضطرت لان تزوج ابنتها البكر الحاصلة على شهادة بكالوريوس آداب من عامل سيارات لا يجيد الكتابة والقراءة لكنه تعهد ان نسكن معهم في الدار التي يملكها في منطقة جسر ديالى، لكن بعد حين تبين ان الدار ليست ملكه، ما وضعنا في موقف حرج اخر خاصة بعد سوء العلاقة بينهما بسبب تصرفاته غير الإنسانية وغير الأخلاقية مع ابنتي التي ترفض العودة اليه الآن، وبعد تدخل الخيرين انتهى الزواج بطلاقها وها هي تجلس في احدى زوايا البيت تندب حظها وتعاني من حالة نفسية صعبة وبحاجة للعلاج. وتضيف ام حسن: لكن للأسف لم يتوقف الأمر عند ذلك، اذ طلب منا صاحب البيت ترك البيت بعد ان عجزنا عن دفع الإيجار لمدة شهرين، مع إشارته الى إمكانية دفع الإيجار بطرق اخرى، حينها لم يتبق أمامنا خيار سوى الخروج لكن الى أين لا نعرف. لكن الله لا يقطع سبيلا كما يقولون فقد تكفل شخص ميسور الحال بدفع الإيجار طوال مدة مكوثنا في البيت، وها نحن على أحر من الجمر للعودة الى بيوتنا حتى لو كانت خرابا.
حوامل وأطفال وكانت تقارير صحية قد أشارت الى وجود قرابة (72) ألف امرأة حامل بين النازحين. البعض منهن انجبن في ظروف صحية ومناخية قاسية جدا، سواء كانت في بداية الأزمة وحر الصيف، او في فصل الشتاء ومعاناة البرد والأمطار. وقد تكون قصة الطفلة النازحة من تلعفر التي توفيت بعد ساعات من إنجابها بسبب البرد القارس في احد المخيمات بمحافظة بابل الشهر الماضي، هي الأشهر وربما تكون هناك حالة اكثر قسوة لم نصل اليها.
وقفة أخيرة ها قد مرت قرابة السبعة أشهر على رحلة النزوح وتشريد العوائل في شتى أرجاء العراق، ولم تنته مأساتهم بالعودة الى ديارهم ومدنهم، مثلما لم تنته معاناتهم في المدن التي نزحوا إليها او في المخيمات التي أقامتها المنظمات الدولية والمحلية، رغم كثرة الوعود الحكومية بهذا الشأن.
|