العراق 2003 إلى 2013

 

أمريكا ليست مؤسسة إنسانية خيرية جاءت لاحتلال أو تحرير العراق من حكم البعث الدكتاتوري بدون مقابل. مصالح أمريكا الاقتصادية و غريزتها للسيطرة على العالم ليست سرا من الإسرار بل هي معلنة، بدون حياء أو خجل، من قبل الإدارات الأمريكية الجمهورية و الديمقراطية. امريكا تختار الحل العسكري أولا لأنه يمثل التكوين النفسي للفرد الأمريكي و خاصة السياسيين و العسكريين منهم.. الفرد الأمريكي يتلذذ بالحصول على ما يريد بالقوة بدلا من التفاهم و التفاوض لأن ذلك يعزز شعوره بالغرور و الكبرياء. خلافا لما هو شائع عن أمريكا بأنها دولة ذات دراسات و خطط لتنفيذ أهدافها، هي تتخبط و تكرر أخطاءها. صحيح أن أمريكا لديها اكبر مجموعة من مراكز الدراسات بمختلف أنواعها و لكن هذه المراكز تدار من سياسيين و عسكريين فشلوا عندما كانوا في الخدمية الفعلية في مجال اختصاصهم و أصبحوا اختصاصيين يعدون تقارير و دراسات لا تنطبق على الواقع وتعتمد كثيرا على ما ينشر على الانترنيت. مذكرات هؤلاء بعد تركهم الخدمة تثبت هذا الفشل. حرب فيتنام و هزيمة أمريكا المخزية فيها سنة 1973 كبحت الغرور الأمريكي و تهوره لفترة من الزمن شعر العالم فيها بنوع من الهدوء و لكنه سرعان ما استعاد الغرور نشاطه و غلب الطبع على التطبع. وجود الاتحاد السوفييتي و قوته العسكرية حدت من الغرور الأمريكي و جعلته يتودد لدول العالم الثالث و خاصة منظومة عدم الانحياز و ظهرت الحرب الباردة بدلا من الساخنة. تفكك الاتحاد السوفييتي و ضعف قوته العسكرية في أوائل التسعينيات بعد هزيمته في أفغانستان على يد صنيعة أمريكا بن لادن و قاعدته مسح ذكريات الهزيمة في حرب فيتنام من الذاكرة الأمريكية و عادت حليمة إلى عادتها القديمة للسيطرة على العالم. بدأت أمريكا تقرع طبول الحرب و لكنها احتاجت إلى ذريعة كبيرة لتبريرها للشعب الأمريكي و جدها بوش الأب و بطانته في احتلال صنيعتهم صدام للكويت سنة 1990 بإيعاز منهم أو بدونه و بعد أن انتفت الحاجة إليه بعد حربهم على إيران بواسطته. أصبح الخليج قاعدة أمريكية بعد تحرير الكويت و استمر تهديد إيران. هزيمة صدام المتوقعة في تلك الحرب غير المتكافئة أوهمت الغرور الأمريكي بأنه لا يقهر و السيطرة على العالم باتت سهلة. فوز بوش الابن في انتخابات سنة 2000، و سيطرة المحافظون الجدد عليه لعدم خبرته، مهد الطريق لهؤلاء لشن الحروب لتحقيق أحلامهم في السيطرة على العالم و بدءوا يتحينون الفرص لذلك. الجدال ما زال قائما حول من هو المسئول عن إحداث أيلول سنة 2001 و هل هي القاعدة أم المخابرات الأمريكية أم كلاهما و لكنها أعطت الذريعة لبوش وبطانته لشن الحرب على أفغانستان لإنقاذها من صنيعتهم القاعدة و طالبان بذريعة حماية أمريكا من خطر الإرهاب. في هذه الحرب بدأت هزيمة ألجندي الأمريكي المدجج بالسلاح تشتد عاما بعد عام على يد مقاتلي طالبان الحفاة. حاليا أمريكا تفوض طالبان لإنهاء هذه الحرب و هي ذليلة كما حدث في فيتنام عندما فر الجنود الأمريكان بملابسهم الداخلية و رميت طائرات الهليكوبتر في البحر لضيق وقت الفرار. كان المفروض أن تستوعب أمريكا الدروس و تتفادى أخطاءها في أفغانستان و لكن الغرور و الغطرسة حالا دون ذلك. بدأت إدارة جورج بوش تعد العدة للحرب على العراق بكذبة حيازته على أسلحة الدمار الشامل التي اعترف بوش بها بعد أن دمر العراق و قتل ما يقارب نصف مليون عراقي حسب دراسة جامعة جون هوبكنز الأمريكية. الحرب على العراق سنة 2003 دمرت ما تبقي من البنية التحتية للاقتصاد و التعليم و الخدمات الصحية التي أنهكتها الحروب و الحصار بفضل أمريكا و صنيعتها صدام بل و أضافت إليها تدمير و نهب المؤسسات الحكومية و الخاصة و أشاعت الفوضى و غياب الأمن. . خلال السنة الأولى من الاحتلال تجول الجنود الأمريكان بين الناس، و في كثير من الأحيان بدون سلاح، و شربوا الشاي و المشروبات الغازية و أكلوا الفلافل و الشاورمة في المقاهي المنتشر على أرصفة المدن و هم يتبادلون الابتسامات و يرطنون بكلمات عربية مع المواطنين. هذا الآمر لم يدم طويلا لآن أمريكا تركت حدود العراق مع دول الجوار عمدا أو إهمالا فتدفقت المجاميع الإرهابية من أماكن تدريبها من دول الجوار و خاصة السعودية و تدجج الجنود الأمريكان بالسلاح لقتل العراقيين بدلا من الإرهابيين. دول الخليج التي سهلت لأمريكا احتلالها للعراق بدأت تشعر بالخوف من وضع أسس ديمقراطية للحكم في العراق، خوفا من انتشار ما تعتبره وباء، إليها لأنها دكتاتوريات بدائية أميرية و ملكية. سوريا و إيران علاقتهما مع أمريكا سيئة مما جعلهما يثيران المشاكل لها على حساب ألعراق. سماح أمريكا لدول الخليج بتصدير الإرهاب إلى العراق يصعب تفسيره و توجد ثلاثة احتمالات: جعل العراق كأفغانستان بلدا غير مستقر لغرض أن يطول بقائها فيه و هذا غباء ما بعده من غباء. هيمنتها على العراق و نفطه اثأر غرورها و جعلها تغض النظر عن مخاطر الإرهاب و اعتقادها أنها يمكن أن تسيطر عليه عندما تريد. غسل دماغ الساسة الأمريكان من قبل الحكام الوهابيين في الخليج بان الشيعة سيسطرون على العراق بمساعدة غريمتهم إيران و سخروا الملك الأردني الهجين بتخويفهم من الهلال الشيعي. سرعان ما ردد هذا لشعار حسني الخفيف و الأمير السعودي الحشاش فيصل. الغريب أن الأمريكان يطلبون من العراقيين الاعتراف بالجميل و بعضهم طالب بالتعويض المادي لأنهم أنقذوهم من حكم صدام و لكن الحقيقة هي عكس ذلك. العراقيون تخلصوا من حكم صدام سنة 1991 بثورتهم الشعبانية و لكن الأمريكان أعادوا إليه الحكم و ساعدوه على قتل الشيعة و الكرد و ملأ جنوب العراق و وسطه بالمقابر الجماعية و شماله بضحايا المواد الكيماوية في حلبجة. مرة أخرى، العقول الخليجية المعوقة سيطرت على العقول الأمريكية (المتنورة) بحجة أن إيران ستحتل العراق و ابتلع بوش الأب الطعم و هو السياسي المتمرس و رئيس اكبر هيئة تجسسية في العالم. اعترف جورج بوش و بعض من بطانته بذالك فمن يجب أن يعوض من؟ الضحية أم القاتل؟ تفتخر أمريكا بأنها تريد أن يكون العراق مثالا للديمقراطية في الشرق الأوسط و لكن بسبب تهورها و قصر نظرها جعلته مثالا للفوضى السياسية الدموية ما أخاف بلدان المنطقة من الحذو حذوه لان الحكام الدكتاتوريين قدموه مثالا سيئا لشعوبهم و هم محقون في ذلك. أمريكا أسمت الديمقراطية التي طبقتها في العراق توافقية لتضم كافة القوميات و الأديان و المذاهب. هذا النوع من الديمقراطية ثبت فشله في ايطاليا و فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية بالرغم من تجانس الناس فيهما و كانت الحكومات الممثلة لكل الأحزاب سببا لعدم الاستقرار في هذين البلدين و لم تستقر الأمور إلا بعد التخلص منه. مثال آخر على فشله هو لبنان الذي فيه من الأديان و المذاهب مثل ما موجود في العراق مع إضافة التعدد القومي في العراق. الفشل الأمريكي في العراق واضح للعيان و التدهور الاقتصادي و ألخدماتي و السياسي سيستمر في حال وجود أمريكا في العراق أو رحيلها إلا إذا تخلت عن غرورها و غطرستها و اقتنعت و اتعظت من فشلها. أمريكا لا تستحق الشكر على ما فعلته بالعراق بعد أن اعترف ساستها و عسكرها بأخطائهم التي عدتها كونلايزا رايس بالآلاف إمام وسائل الإعلام، و لأن العراقيين تخلصوا منه سنة 1991 لولا أمريكا . العراقيون يستحقون التعويض عما أصابهم سنة 1991 و بعد 2003. حصيلة حرب الاحتلال او التحرير: بول بيمر زرع بذرة الفساد الإداري و المالي و نهب المال العام. بول بريمر اضعف هيكلية المؤسسات الحكومية. حوالي نصف مليون قتيل و مليوني جريح و معاق. ملايين الألغام و مواد مشعة . فتح بريمر حدود العراق و تركت مفتوحة من بعده للإرهابيين من دول الخليج و خاصة من السعودية و حتى من أفغانستان لقتل الشيعة السماح للإرهابيين السنة من الداخل و الخارج بقتل الشيعة و الذي دفعهم إلى الدفاع عن أنفسهم بالسلاح مما عمق الطائفية لموجودة أصلا. التلاعب بالانتخابات بمساعدة ممثل الأمم المتحدة لنع حصول تجمع أو تجمعات سياسية متجانسة على أغلبية برلمانية. أبقت العراق تحت البند السابع الذي فرضته عليه لغرض ابتزازه و لإرضاء عملائها في الخليج. شح الطاقة الكهربائية, عارضت تأهيل المصانع الحكومية بحجة تشجيع القطاع الخاص. ازدياد معدلات البطالة خاصة بين خريجي الجامعات. البديل لما حدث: إخراج العراق من البند السابع إجبار دول الخليج وخاصة السعودية على الكف عن تصدير الإرهابيين الوهابيين لقتل الشيعة. مساعدة العراق للنهوض من جديد كبلد مستقل بدلا من الظهور بمظهر المحتل. نظام سياسي ديمقراطي يعتمد على أكثرية برلمانية منتخبة مهما كان لونها بدلا من المحاصة الدينية و المذهبية و القومية مع ضمان دستوري و قانوني لحقوق كافة المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم. كان بإمكان أمريكا إنعاش الاقتصاد العراقي و تأهيل المعامل الصناعية مما يقلل البطالة. كان بإمكانها إنشاء محطات توليد كهربائية من الحجم الصغير و المتوسط إلى حين توفير المحطات الكبيرة. ضبط جنودها و شركاتها الأمنية للحد من قتلهم للأبرياء عمدا أو خطأ مع تفادي التعذيب الوحشي في سجن أبو غريب. لو فعلت أمريكا ذلك لطلب منها العراقيون البقاء بدلا من الرحيل و لكن التكوين النفسي للأمريكان و غرورهم لا يسمح بذلك. الحل لمشاكل العراق: نظام ديمقراطي برلماني يعتمد على أكثرية منتخبة. دستور يضمن حق المواطنين بغض النظر عن الدين و المذهب و القومية. إعطاء الخيار للكرد ليبقوا ضمن العراق و لكن بدون امتيازات سياسية و اقتصادية لأن ذلك مكنهم من العبث فيه. في حال رفض الكرد ذلك عليهم أن يستقلوا و هذا من حقهم. إعطاء الخيار للأقلية السنية للبقاء ضمن العراق و ضمان توزيع ثروته النفطية تبعا للكثافة السكانية. في حال رفض السنة لذلك يقسم العراق إلى ثلاثة دول، واحدة ذات أكثرية كردية، أخرى ذات أكثرية سنية، و ثالثة ذات أكثرية شيعية. الكلام عن وحدة العراق و وحدة العراقيين سفسطة عاطفية كشفت لأيام زيفها منذ تأسيس الدولة العراقية. النفس البشرية تواقة للسيطرة و الاستبداد و الذي خفف من ذلك في الغرب هو النظام الديمقراطي و حماية القانون للمواطن. دليل على ذلك هو أن الفرد الغربي يوعظ الناس و يبشر بالديمقراطية و لكنه يمارس الديكتاتورية على العالم الثالث لضمان مصالحه الاقتصادية و هيمنته السياسية و الاستعمار البريطاني و الفرنسي و الهولندي أمثلة على ذلك. بعد تقاسم الغنائم الاستعمارية بين بريطانية و فرنسا عندما انتهت الحرب العالمية الثانية خرجت أمريكا خالية الوفاض و لكنها ندمت بعد ذلك. للتعويض عن (خسارتها) بدأت بتصفية الاستعمار البريطاني في الخليج و بقية بلدان الشرق الأوسط، و الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا. تفكك الاتحاد ألسفيتي فسح المجال لأمريكا لتكون المستعمر الأوحد تنشأ و تدعم دكتاتوريات ثم تستبدلها بأخرى، أو تبشر بنظام ديمقراطي شكلي تبعا لحاجتها الاقتصادية و مغامراتها العسكرية لتشبع غريزة الغرور و الغطرسة عند سياسييها و جنرالاتها و عند الفرد الأمريكي.