القول العلمي في الإعجاز العلمي ح6 والأخيرة القول بوجود الإعجاز العلمي وفق ضوابط وأسس |
تحدثنا في الحلقات السابقة عن الإعجاز العلمي تعريفاً، وناقشنا أشهر الآراء المطروحة بشأنه، وفي هذه الحلقة نصل لخاتمة الحديث من خلال طرح الرأي الذي نتبناه ونراه هو الأصوب في التعامل مع الإعجاز العلمي الذي نعتقد بوجوده فعلاً في بعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة عن الرسول وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم.
كما فهمنا من تعريف الإعجاز العلمي كما أوردناه في الحلقة الأولى وهو "إخبار القرآن الكريم أو النبي أو أهل بيته (عليهم الصلاة والسلام) تصريحاً أو تلميحاً بحقيقة علمية لا تناسب إمكانيات ومعارف عصر نزول النص أو صدوره".
وقلنا إن هذا لا يتنافى مع كون القرآن الكريم كتاب هداية، وإن الروايات هي للهداية أيضاً، وقلنا إنه لا يمكن القبول بمقولة "وأنتم أعلم بدنياكم" فوظيفة الإصلاح والهداية لا يمكن الفصل بين جانبها الدنيوي وجانبها الأُخروي.
لذا وصلنا لنتيجة مفادها وجود الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي روايات أهل البيت عليهم السلام، ولسنا هنا بمقام ضرب الأمثلة على ذلك وسوق أدلة الإثبات لأنه سيطول بنا المقام في الأول ولأنه فيما تم عرضه الكفاية في الثاني.
ولكي نوضح وجهة نظرنا تجاه الموضوع لا بد من بحث الجوانب التالية:
أ- ما هي الثوابت العلمية التي يتم المقارنة معها؟ وكيف يتم ذلك؟
ب- كيف تتم قراءة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟
ج- كيف تتم قراءة الإعجاز العلمي في روايات أهل البيت عليهم السلام؟
د- هل الأمر منحصر بإثبات صدقية القرآن الكريم والروايات وبالتالي صدقية الرسول صلى الله عليه وآله ورسالته بانتظار ظهور ثابت علمي ومقارنته بها أم يمكن التقدم لأبعد من ذلك عبر جعله مورداً للكشوفات العلمية أو لتصحيح النظريات والآراء العلمية محل الجدل؟
الإجابات:
أ- ما هي الثوابت العلمية التي يتم المقارنة معها؟ وكيف يتم ذلك؟
في العلم تظهر الآراء العلمية بصيغ مختلفة مرة بصيغة مثبتة تجريبياً ومرة بصيغة آراء ونظريات وأفكار وتخمينات واقتراحات، فما عدا ما تم إثباته تجريبياً-ولا نقصد إن العلم منحصر بالعلم التجريبي- لا يمكن مقارنة أي رأي أو نظرية أو فكرة أو تخمين أو اقتراح مع الآيات والروايات والتعامل معه على إنه مسلم علمي إلا إذا كان الهدف من المقارنة محاولة الوصول لرؤية أفضل.
مع ملاحظة ضرورة أن يكون مصدر المعلومة العلمية صحيحاً أي من مصادر علمية موثوقة وأن تكون الإشارة للمصدر واضحة لا لبس فيها، والابتعاد عن لغة نقل عن مصدر أو نقلت الصحيفة الفلانية فلا بد من تتبع المعلومة العلمية من مصدرها الأصلي وعدم الاعتماد على الشهرة الإعلامية فقط مصدراً للتوثيق.
ب- كيف تتم قراءة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟
بالمقارنة مع الثابت العلمي الذي تحدثنا عنه في الفقرة السابقة، يمكن قراءة بعض الآيات لرؤية مدى انسجامها مع هذا الثابت بشرط:
1-الاعتماد على ظاهر التفسير أو ما يختلف عن الظاهر إذا ورد بنص روائي وعدم الاستغراق في التأويلات.
2-عدم التكلف في التفسير ومحاولة تطويع تفسير النص لينسجم كرهاً مع الثابت العلمي، وهذا يشمل كل الأدوات المستخدمة في التفسير كعلوم اللغة وغيرها.
ج- كيف تتم قراءة الإعجاز العلمي في روايات أهل البيت عليهم السلام؟
بالمقارنة مع الثابت العلمي الذي تحدثنا عنه في الفقرة ما قبل السابقة، يمكن قراءة بعض الروايات لرؤية مدى انسجامها مع هذا الثابت بشرط:
1-تقييم سند الرواية بدقة.
2-تقييم متن الرواية بدقة ومقارنته بغيره، لتحديد مساحته بدقة، مثلاً قد ترد عبارة "كذا نبات فيه شفاء" قد نفهم منه إنه فيه شفاء دائماً بغض النظر عما يؤكل معه وبغض النظر عن وضع الشخص وظروفه وهذا خطأ، وقد نفهم منه إن استخدامه ضمن شروط معينة يؤدي للشفاء وهو صحيح، وقد نفهم منه-كما سيأتي- إنه يمكن استخلاص مركبات منه تكون شفاء وهو الأصح ولا ينفي ما قبله.
3-عدم التكلف في فهم الرواية.
4-رفض الرواية اذا ما خالفت بوضوح ثابت علمي-حتى مع صحة سندها على رأي بعض العلماء كالسيد هبة الدين الشهرستاني الذي ناقش هذه المسألة قبل ما يقرب من مائة عام-!
د-هل الأمر منحصر بإثبات صدقية القرآن الكريم والروايات وبالتالي صدقية الرسول صلى الله عليه وآله ورسالته بانتظار ظهور ثابت علمي ومقارنته بها أم يمكن التقدم لأبعد من ذلك عبر جعله مورداً للكشوفات العلمية أو لتصحيح النظريات والآراء العلمية محل الجدل؟
هذا السؤال مهم جداً فإن انتظار ظهور رأي أو ثابت علمي ثم البحث عن وجوده قرآنياً أو روائياً يشكل نقطة ضعف من ناحيتين:
الناحية الأولى: إنه سيكون-وقد كان فعلاً- مورد إشكال على المسلمين بأنه أين كنتم عن هذا الرأي العلمي ولماذا لم تكتشفوه قبل من أكتشفه فعلاً إذا ما كان موجود في قرآنكم أو رواياتكم قبل أكثر من 1400 عام!
الناحية الثانية: إنه إذا صدق وجود الإعجاز العلمي فإن عدم البحث في القرآن الكريم والروايات لاكتشاف بعض الآراء العلمية وسبق الآخرين يُعد خسارة كبيرة.
لذا برأيي إنه من الممكن التقدم خطوة للإمام في التعامل مع القضايا العلمية في الآيات والروايات، مع ملاحظة واقتراح ما يلي:
1-إن بعض الآراء العلمية الواردة يراد منها الإعجاز وليس توفير المعلومة لذا قد يكون من الصعب اكتشاف وجودها في القرآن الكريم والروايات عبر البحث فيها قبل اكتشافها في الواقع العلمي مسبقاً.
2-إن أدوات الاكتشاف العلمي ليست كلها متوفرة لمن يرى إمكانية البحث علمياً في القرآن الكريم والروايات.
3-إن الاكتشافات العلمية إن كانت جهداً بشرياً وقد لا يتصور البعض أن يكون من ضمن مهام الجهات والمصادر الدينية المساعدة فيها إلا من باب الحث إلا أنه في تراثنا الروائي ما يؤيد ذلك ومنه على سبيل المثال كلام الإمام الصادق عليه السلام مع الطبيب الهندي، وجهوده سلام الله عليه في مجال علم الكيمياء والفيزياء.
4-بعض الاكتشافات العلمية الممكنة من ناحية الانتباه لها وتوفر الظروف بيد من يعتبر إمكانية توفر المعلومة العلمية في الآيات والروايات، أقول بعضها يمكن الوصول لها وبذلك نكون قد قدمنا عدة خدمات منها، تقديم الخدمة العلمية عبر هذا الاكتشاف للمجتمع، دعم مصداقية الآيات والروايات بشكل أقوى بكثير من المقارنة واكتشاف مواطن الإعجاز العلمي قبل الآخرين.
تطبيقات محتملة للنقطة الأخيرة:
1-الطب:
في مجال الطب يمكن الاعتماد على المرويات في هذا المجال عبر تحليلها علمياً وفقاً لما ذكرنا سابقاً، كمثال على ذلك استخلاص مادة (الانثوسيانين) من قشرة الزبيب الأسود والتي اثبت تأثيرها العلاجي على أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم الشرياني من قبل الدكتور العراقي نجم عباس العوادي في فرنسا بالاستفادة من روايات أهل البيت عليهم السلام وفقاً لحوار شخصي لي معه.
ما نريد قوله إن الرأي بأن المادة الفلانية تعالج كذا يمكن أن يكون حافز للبحث عن تركيب هذه المادة ومعرفة المادة المؤثرة في المرض الفلاني واستخلاصها منها، كما تم التعامل مع العديد من المعلومات الشعبية وفق هذا الأساس وتم اكتشاف فائدة بعضها فعلاً.
2-الفيزياء النظرية
بما أن مجال الفيزياء النظرية هو مجال خصب للاقتراحات والتخمينات والافتراضات فما المانع من الرجوع لبعض النصوص الدينية للخروج برؤية ومحاولة اختبارها علمياً فلعلها-إن احسنا استخدامها- تختصر لنا الكثير من الوقت والجهد ولنعتبرها كأي افتراض في هذه الساحة التي صارت تقبل حتى الافتراضات التي تبدو مجنونة للوهلة الأولى.
|