الكتابات المريضة!!

 

 

"عقول الناس مدوّنةٌ في أطرافِ أقلامهم" (علي بن أبي طالب)

 

ما أكثر الكتابات المنشورة في الصحف والمواقع التي تكشف عن المرض النفسي وربما العقلي لكتابها , ويتفاعل معها ذوي العاهات النفسية والإضطرابات السلوكية , وهي مكتوبة بمداد الإنفعالات السلبية والمشاعر السوداء المعتقة في أقبية الضلال والبهتان , وأوعية الجهل المُصان.

 

وقليلة هي الكتابات التي تعالج ظاهرة وتتصدى لها بعلمية وموضوعية , ومنهج معاصر تصل به إلى نتائج ذات قيمة معرفية وتأثير إنساني إيجابي , وحتى الكتابات التي تتخذ من الدين موضوعا لها , تجدها تسوح في تأويلات النفس الأمارة بالسوء , وما تمليه على أصحابها من سيئات الرؤى والتصورات.

 

وحالما تبدأ بقراءة المكتوب , وأحيانا من العنوان تنكشف أمامك الآلية الإنفعالية , التي إرتكز عليها الكاتب , الذي راح يخدع نفسه ويوهمها بأنه يكتب , وما هو إلا يدافع عن العاطفة المتأججة فيه  , ويبررها  ويستحضر من أجلها الآليات الدفاعية التي ترضيه وتخدعه , وتجعله يرى بأنه صاحب القول الفصل , الذي لا وجود له في هذا العصر المتنوع الأمواج.

 

فينطلق الكاتب بالحكم الإعتباطي المسبق والتعميم لتسويغ ما يريد قوله , وتقرأ بوضوح فيما يسطره  آليات الإنكار والفعلنة والإنتقائية والإسقاط وردّة الفعل والإلغاء والإزاحة والتبرير , وحتى التعويض , والبعض يحلو له أن يصنف الآخرين كما تملي عليه رؤاه العليلة , ليمنح عواطفه وإنفعالاته شهادات تقدير , وأوسمة متميزة من السمو والنقاء والمثالية والطهر الخدّاع , الذي يغذي الميول النرجسية المرضية المنضغطة فيه, حيث ينكشف النفاق وترى النوازع الحقيقية الكامنة في سطور المكتوب , والذي حاول الإلتفاف عليها بآليات تمويهية واضحة لا تغيب عن حصيف.

 

ويبني الكاتب ما يكتبه على أساس إستجابته الإنفعالية النابعة من كيانه النفسي المبرمج , وفقا لما وُضع فيه من الرؤى والتصورات عبر الأجيال , وما نشأ عليه من إنحرافات تربوية وتصورية لذاته وموضوعه , وكيفيات تصنيع منظاره الإدراكي.

 

وهذه الكتابات لا تتحدث إلا عمّا في كُتّابها , وليس عمّا يدور في هذا الواقع , أي أنها تريد أن يكون ما فيهم قائما من حولها , في عصر لا ينبت فيه ما هو قائم فيهم , ويريدون أن يندحر العصر في قوقعة تصوراتهم الضيقة , وإنحرافاتهم الإدراكية المهيمنة على بوابات وعيهم وفهمهم لما يدور في الدنيا.

 

وقد أسهمت هذه الكتابات في تدمير الناس وإمْراض سلوكهم , وتحطيم نفوسهم , وتحولت إلى وسائل للإرتزاق , لأن أصحاب النفوس الضعيفة , المدينين بأمّارات السوء التي فيهم , يجدون في هكذا أقلام أبواقا للتعبير عن أجندات رغباتهم الإبليسية المقنعة بما هو قويم , وما هم إلا شياطين بهيأة بشر قد أنكره الباء!!