-العراق الجديد-: لا فرق بين رئيس وزراء ورئيس للميليشيا

المساعي الجديدة لنوري المالكي الامين العام الحالي لحزب الدعوة ورئيس الوزراء السابق ليس العمل من أجل العودة الى ولاية ثالثة بل تبوء منصب رئيس ميليشيا "الحشد الشعبي". وهذا هو المثير في المشهد السياسي العراقي هو ان يحاول شخص شغل منصب رئيسا للوزراء لمدة ثمان سنوات، ويتنافس اليوم كي يكون رئيسا لميليشيا "الحشد الشعبي" مع هادي العامري امين عام ميليشيا منظمة بدر وقيس الخزعلي رئيس ميليشيا عصاب اهل الحق وابو مهدي المهندس رئيس ميليشيا حزب الله ومقتدى الصدر زعيم ميليشيا سرايا السلام "جيش المهدي" سابقا.
ويبدو اننا عدنا للعصور الاسلامية، فبفضل القوى والتيارات الاسلامية اعيدت التقاليد والمقولات السياسية في تلك العصور. فمقولة "البيعة" وهي احدى اليات اختيار خليفة او امير اسلامي، يجري التداول بها اليوم واول من استخدمها ابو بكر البغدادي الذي توج من خلالها زعيما اوحد لدولة الخلافة الاسلامية، والمالكي هو الاخر يحاول من خلالها تتويجه اميرا او رئيسا لميليشيا "الحشد الشعبي" المظلة الام للمليشيات الشيعية المذكورة، والذي لاقى رفضا من زعيم مليشيا سرايا السلام مقتدى الصدر، حيث رفض المبايعة للمالكي عندما قامت احدى فصائل تلك المليشيات بمبايعته، اذ قال اي الصدر، بأن البيعة للمالكي مخالف لتوجهات المرجعية.
ان نوري المالكي الذي من المفروض ان يحاكم على هزيمة جيشه بحكم مركزه كقائد عام للقوات المسلحة وتسليم نصف مدن العراق الى دولة الخلافة الاسلامية وغريمه ابو بكر البغدادي، يدرك ان اليد الطولى اليوم في العراق ليس للجيش ولا الشرطة الاتحادية ولا الامن الوطني ولا لاية قوة امنية اخرى، انما هي للميليشيات التي تدار من خلال فيلق القدس الايراني ورئيسه قاسم سليماني، ويدرك ايضا ان بأنتصار تلك الميليشيات التي ستتصدر المشهد العسكري سواء بأعلام مدفوع الاجر او بكفاءة قوات السليماني، يمكن ان تسترجع القليل من ماء وجهه عندما مني بهزيمة نكراء في الموصل، وعلى اثرها اقصي من رئاسة الوزراء ولم يجدد له لولاية ثالثة.
محاولات المالكي هذه ليس فيها اكثر من فقاعات اعلامية ودعايات فارغة بالنسبة لشخصه ولن تضيف اي شيء لرصيده الشخصي في المجتمع او لحزبه حزب الدعوة، ولكن تعكس مشهد سياسيا خطيرا ويجب التوقف عنده، وهو سطوة الميليشيات على ذلك المشهد وبأعتراف تقاير المنظمات الدولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، التي تبين حجم انتهاكات الميليشيات الشيعية كتفا الى كتف مع عناصر دولة الخلافة الاسلامية في التطهير الطائفي والديني. فليس عبثا ان شخصا مثل المالكي الذي شغل منصب رئيس الوزراء يحاول اليوم ان يكون رئيسا للميليشيا التي اشتهرت بالتطهير الطائفي بنفس القدر في محاربته لداعش. 
والحقيقة تقال لو كان هناك نظام قضائي يتوافر فيه الحد الادنى من الاستقلالية والعدالة، ولو كان هناك الحد الادنى لمعايير حقوق الانسان في "العراق الجديد"، ولو كان النظام السياسي قائم على كل شيء الا المحاصصة الطائفية والقومية، لكان نوري المالكي النائب الحالي لرئيس الجمهورية يقبع في السجن ويقضي مدة حكمه مع سائر المجرمين والفاسدين. الا ان حكمة "العراق الجديد" تكمن في مكافئة الفاسد والفاشل بمنصب جديد ليس تكريما لانجازاته الاقتصادية والخدمية وانتصاراته العسكرية على دولة الخلافة الاسلامية، بل لتوفير الحصانة الدبلوماسية وحمايته من اي اذى قضائي قد يلحق به. ونضيف ايضا ان تجربة الاسلام السياسي علمتنا منذ غزو واحتلال العراق بأن شخصياتها ورموزها لا يمكن ان تعدو اكثر من اميرا او رئيسا لاحدى الميليشيات، اما رئاسة الدولة او البرلمان او الوزراء وصلت اليهم بغفلة من الزمن وبحماقة من القدر. وهكذا يصح المثل القائل، الشخص المناسب مثل المالكي في المكان المناسب. اي ان يكون امير ا او رئيسا لاحدى الميليشيات مثل "الحشد الشعبي" وليس رئيسا للوزراء