لماذا يستهدفون مصر
 
نلاحظ تصاعد الهجمات الارهابية التي تطال الدولة المصرية بمؤسساتها المختلفة، وخاصة قواتها المسلحة، لأن الجيش المصري خاصة، هو القوة العربية ــ الإسلامية الوحيدة التي لا زالت على قيد الحياة، فالجيوش العربية والاسلامية برمتها أصبحت أداة طيعة لتنفيذ الأهداف الأمريكية بعلم أو بجهل.
ولا حاجة لاستعادة ما ذكرته في مقالات سابقة عن تدمير مصر للمخطط في الشرق الأوسط، بعد أن أجهزت مصر على عصابة الاخوان الارهابية في ثورتها المجيدة في 30 / 6 / 2013، ولنتحدث عن إفشال مصر للمخطط الجديد.
فعندما تم ادخال داعش والبعثيين وغيرهم إلى العراق في وقعة اسقاط الموصل العام الماضي (بتواطئ محلي وإقليمي) دخل المخطط الامريكي طوراً جديداً، وشكلت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً جديداً وطلبت من مصر أن تكون أحد أركان هذا التحالف، فرفضت مصر بإصرار، فلماذا رفضت مصر أن تكون طرفاً في الحرب على داعش بالتالي على الإرهاب؟. أليست مصر تعاني من الارهاب؟، أليست تتبنى الحرب عليه؟. فما هذا التناقض.
بداية نعرف أن اللعبة هي لتغيير المواقف والاستراتيجيات في المنطقة، فبعد أن فشل المشروع الامريكي في سوريا عبر التحالف الذي تقوده روسيا، ونعرف جيداً أن المشروع الامريكي في سوريا كما هو في باقي المناطق يستهدف اضعاف وتقسيم البلدان التي تشكل خطرا مستقبلياً محتملاً تجاه أمن إسرائيل، وهي بالدرجة الاساسية مصر والعراق، لأسباب تاريخية وعقائدية سنذكرها في مناسبة أخرى. لجأت أمريكا إلى لعبة جديدة، فبإسم الحرب على داعش تشكل التحالف الجديد، لشرعنة تواجد قوات على الارض لضرب العراق الممانع وسوريا، ولإسقاط نظام بشار، أو فرض واقع جديد على الارض، ومن ثم تضييق الخناق على روسيا المنافس السياسي والاقتصادي للغرب، ونعرف من خلال المعطيات أن روسيا ستستسلم آخر المطاف وتسلم رقاب حلفائها كما فعلت طيلة تاريخها الحديث. فرفضت مصر الدخول في هذا التحالف لوعيها ومبدأية قيادتها.
وأخذ وزراء الدفاع من عدة بلدان غربية بالتوافد على مصر محاولة منهم لإقناع مصر بالدخول في التحالف، وبالتأكيد لم تكن الزيارات تلك خالية من الترغيب أو الترهيب، ولكن من دون جدوى، فبدأت العمليات النوعية ضد المؤسسات المصري تأخذ بُعداً آخر، كما في العملية الارهابية ضد الجيش في سيناء والتي أسفرت عن مقتل حوالي 30 عسكرياً مصرياً.
ونلاحظ أن كل خطوة تخطوها الولايات المتحدة وإرهابيوها تجد أمامها خطوة من قبل القيادة المصرية في الاتجاه المعاكس. ومن أهم تلك الخطوات استقبال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في خطوة مهمة لاخراج العراق من طرفي النزاع بوضع فسحة وفرصة لطرف ثالث ليست له مصلحة في تدمير العراق، فهذه الزيارة المهمة للعبادي والتي أسفرت عن لقاءات هامة مع القيادة المصرية وتمتين الروابط بين البلدين على الصعيدين السياسي والعسكري لو تمت فإنها ستحبط المخطط الجديد، ولا نحتاج في هذه الفترة إلا لقوة قلب من العبادي لينجز على الارض نتائج الزيارة، ونعلم أن شيخ الازهر، الذي استقبل العبادي بحفاوة أصدر في بيان مهم ترحيبه به وأنه عازم على زيارة العراق واللقاء بالمرجعيات الشيعية العربية دون غيرها، لأسباب مفهومة.
ونعلم أيضاً أن شيخ الازهر مدعوم في مسعاه هذا من قبل قيادة مصر التي تتبنى مواجهة الارهاب على عدة أصعدة العسكري منها والفكري وهو أهم من العسكري دون شك، فالارهاب أداة بيد المستعمرين الجدد، فلم تعد أمريكا ولا إسرائيل بحاجة للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة تخسران فيها سمعتهما وجنودهما، إذ يكفي وجود هذه القطعان في أوربا ممن يؤيدون القاعدة وداعش، وليس عليهما أن يقدما حتى الدعم العسكري، فقد تكفل الخليجيون من المتحالفين وتركيا بتكلفة السلاح حتى نهاية المعركة. ووجود الطيران الغربي في التحالف لتوجيه المعركة وعدم الاخلال بالتوازن فيها، فإذا رأت أن داعش تجاوزت المخطط أوقفتها، كما في تجاوزها لمنطقة الحليف الكردي، وإذا رأت أن القوات العراقية تجاوزت وشارفت على الانتصار تدخلت تلك الطائرات لضرب المواقع العراقية للجيش أو الحشد الشعبي، فالمهم هو الحفاظ على التوازن حتى تتم المفاوضات مع روسيا وحلفائها كما يرغب الغرب. ولو أن مصر شاركت في هذا التحالف لكان الوضع مختلفاً على الأرض في العراق وسوريا، ولحصلت مصر على امتيازات كبيرة، ولكن مصر رفضت عن وعي، لذلك لن تتوقف العمليات الارهابية التي تقودها المنظمات العميلة كحماس والاخوان المسلمين، ونعلم أن أعداء مصر هم أعداء العراق، فالاخوان المسلمين في مصر يوجد لهم جناحهم في العراق وهو الحزب الاسلامي الذي يقوده الارهابي طارق الهاشمي، الذي يشارك جنباً الى جنب مع داعش في العراق وسوريا، ونعلم ان تركيا أحد مصادر تمويل داعش بالمال والرجال وتركيا لم تخف يوماً عداءها وتنكيلها بمصر. ناهيك عن قطر وغيرها من المشاركين في هذا التحالف.
ولو لاحظنا الخطوات الحساسة التي خطتها الدولة المصرية في محاربة الارهاب على الصعيد الفكري، سنجد أن أهم تلك الخطوات حماية الشيعة المصريين والاقباط، فبعد أن قامت حكومة الاخوان بشرعنة تكفير الشيعة علناً في مؤتمر نصرة الشعب السوري الذي كان على رأسه محمد مرسي المخلوع، وتمَّ قتل عدد من الشيعة في مذبحة مروعة في (زاوية أبو مسلَّم)، ومنع الشيعة من ممارسة طقوسهم، وشنِّ حملات إعلامية ضدهم، أصبح الوضع مختلفاً تماماً في ظل الدولة الحالية، فقد أُلقي القبض على قتلة الشيخ حسن شحاتة وهم حوالي ثلاثين فرداً، وتقديمهم للمحاكمة، وأصدرت السلطات في عاشوراء الماضية ولأول مرة في تاريخ مصر قراراً (حذرت فيه السلفيين وغيرهم من التعرض للشيعة والمتصوفة وحقهم في ممارسة طقوسهم في يوم عاشوراء عند مسجد الإمام الحسين في القاهرة)، ولا يخفى على المتتبع أن الشيعة المصريين بأسرهم شاركوا في الثورة التي أسقطت حكم الاخوان، وهم كذلك مؤيدون للدولة المصرية بقيادة عبد الفتاح السيسي.
كل هذه الخطوات تسير في اتجاه إفشال المخطط الامريكي القائم على إثارة النعرة والاقتتال الطائفي، وليست أمريكا فقط من يعمل على هذا الأمر بل كل أطراف النزاع من دون استثناء، لأغراض تسلطية استعمارية، سواء باسم الدفاع عن التشيع أو الدفاع عن السنة.