الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي .. بين حبر العلماء ودماء الشهداء |
جمعة هذا اليوم لن يرتقي سيدنا محمد سعيد رمضان البوطي ، منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمسجد الأموي الشريف، لأن يدا أرادت له الغدر والاغتيال، ففجّرته وهو جالس في المحراب، يحمل كتاب الله يفسّره لمن حوله، فلقي ربه وهو يتلو كلمات ربه، فنال بذلك، خير حبر العلماء، وفضل دماء الشهداء، وفي ليلة من ليالي الجمعة المباركة. في آخر جمعة له 15-03-2013، وصف الذين حملوا السّلاح في سورية ضد إخوانهم من السوريين، بأنهم اجتهدوا وأخطؤوا، وطالبهم بالرجوع لوطنهم وأهليهم، والالتفاف حول مجتمعهم، لأن الاجتهاد تبيّن خطأه، وتمنى لهم أن يلهمهم الله الرأي، والسداد. أثناء المحنة التي عاشتها وتعيشها سورية، تعرّض لوابل من الشتائم والسباب، فكان يستغفر لهم ربهم، ويقول: اللهم اغفر لقومي، فإنهم لايعلمون. § إقرأ كتب الشيخ، تعرف حقيقته من أراد أن يعرف حقيقة الشيخ، فليقرأ كتابه "والدي"، لأنه يشرح فيه الأسباب والدواعي التي دفعته لاتخاذ هذا الموقف أو ذاك، خاصة مواقفه السياسية التي قد تصدم قارئه ومحبّيه لأوّل مرّة. وموقفه الجلي الواضح، والثابت الرّاسخ من محنة سورية الذي لقي ربه به، هو نفسه الذي اتّخذه أثناء أزمة سورية في الثمانينات، وقد شرحه في الكتاب، لمن أراد أن يعود إليه. حفظت عنه الدنيا دعاءه من على منبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم وفّق عبدك الذي ملكته زمام أمورنا للسّير على صراطك ولإتّباع سنّة نبيّك محمّد صلى الله عليه وسلم واملأ اللهم قلبه بمزيد من الإيمان بك وبمزيد من الحب لك وبمزيد من التعظيم لحرماتك واجمع اللهم به أمر هذه الأمة على ما يرضيك وحقق له في سبيل ذلك البطانة الصالحة يارب العالمين". والدعاء للرئيس بالهداية والتوبة والاستقامة، ولم يدع له بطول العمر، ولا البقاء في الكرسي، ولا توريثه لأبناءه، ولم يخصص دعاءه لأصهاره، وأحفاده. سيظل كتابه "فقه السيرة"، يُتلى على المسامع ومن فوق المنابر، لما فيه من استنتاجات تصلح لعصور قادمة. فالسيرة ليست سردا لوقائع حدثت فحسب، إنما استنطاق أحداث مرّت، والاستفادة منها في دنيا الشخص والمجتمعات، وهذا هو المقصود من معنى فقه السيرة. وستبقى دروسه، "شرح الحكم العطائية"، منهاجا لكل أمة تسعى لتربية أبناءها، التربية الصالحة، المبنية على الطهر والعفاف، والسخاء والايثار. أما خطب الجمعة، فقد قرأت منها 3 أجزاء، بالإضافة إلى خطبه الحديثة التي تنقلها القنوات السورية على الهواء مباشرة، فستظل نبراسا لكل خطيب، يسعى للرقي بخطبه ومستمعيه، خاصة وأنها نابعة من الواقع المرير، الذي تعيشه الأمة يوميا، وعلى مدار عقود من الزمن. ومن أراد العقيدة الصافية النقية، والثابتة عبر الأزمنة، فليتصفح كتابه، "كبرى اليقينيات الكونية". فالكتاب يتطلب مستوى عال من الفهم، وامتلاك بعض أدوات التحليل، التي تساعد على الفهم، كالوقوف على الفرق المختلفة، وآراء العلماء المتضاربة. ومنذ 3 عقود، قرأت كتابيه " اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الإسلام" ، و " السلفية مرحلة زمنية لا مذهب اسلامى "، وأثبتت الأيام، صدق ماذهب إليه الرجل. § وفاء الجزائر للعلاّمة محمد سعيد رمضان البوطي ستبقى الجزائر، وفيّة للشيخ البوطي، لما قدّمه للجزائريين عبر ملتقيات الفكر الإسلامي، والندوات العلمية التي كان يحضرها من حين لآخر، وكانت تُنقل عبر الرائي والجرائد، وستبقى تذكر مواقفه الشجاعة والنبيلة، إبّان المحنة التي مرّت بها الجزائر، أثناء التسعينات، ومساهمته الفاعلة في حقن دماء الجزائريين. § النهاية السعيدة من البداية الرشيدة قضى شبابه كلّه للعلم والتدريس، وظل يعلّم الأمة، رغم الدمار والخراب، الذي تتعرّض له سورية، ولقي ربه مؤمنا في مسجد الإيمان، وهو في سن 84 سنة، يتلو كتابه، وبين ضيوفه .. فما أعظمها من بداية، وما أجلّها من نهاية. رحمة الله عليك، أيها التقي النقي، الزاهد العابد، العالم الفقيه، وأسكنك الفردوس، وجعل حبرك ودمك، شفعاء لك، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا. |