اليسارية بين الفكر و السياسة في الشرق و الغرب


لو تابعنا سلوك الاحزاب اليسارية و ما يفعلون و ما يصدر منهم من المواقف ازاء ما يحدث في كافة بقاع العالم، نرى اننا نحتار من مما نرصد من تناقضات واسعة و كبيرة بين التنظير و التدبير لهم و لا صلة لما يمارسون من السياسات العامة بالفكر وا لفلسفة اليسارية وفق نظرياتها و ما نعرف عنها، و انها تصرفات و ممارسات تسمى بالفكرية نابعة من مستوجبات السياسة، لذلك، اننا نعتقد بان الاسلوب الذي يتبعه اليسار الحقيقي الشرقي في موقع و مجتمع ما له صلة مباشرة بتركيبة الحياة العامةفي مجتمعه و هكذا في المجتمع الغربي ايضا .
بما اننا على يقين من ان اليسارية هي انجع الافكار و الفلسفات و حتى لو اعتمد كايديولوجيا لحل قضايا المجتمع و الوصول في نهاية المطاف الى مرحلة تكون لصالح العدالة الاجتماعية و المساواة و التكافؤء في الفرص و خدمة الطبقة الكادحة و اختزال الفروقات الطبقية للوصول الى المرحلة الشيوعية، فان ما نصطدم به من مواقف و اراء و تعامل مع ما يحدث من قبل اليسار ليس غريبا في هذا المرحلة العالمية الفوضوية، فاننا نلمس بان تتوافق اليسارية في كثير من الاحيان مع الافكار و التوجهات الاحزاب الدينية لمجتمع ما عن طريق الممارسة السياسية على ارض الواقع، كما نلمس ما تفعله اليسارية في اوربا و كيف تنظر الى قضايا الشرق الاوسط و تختار اهون الشرين في مسيرتها .
هل من المعقول ان تتوافق اليسارية مع الراسمالية سياسة احيانا كما تفعله بعض الاحزاب الاشتراكية الديموقرطاية وما تسير عليه من الخطوات و ربما يمكن ان نحسبها تكتيكات و لكنها تقع لصالح الر اسمالية و على النقيض من الاستراتيجية اليسارية قلبا و قالبا . لناخذ مثلا تعامل اليسار العالمي مع ما يجري في العراق و مصر، و لنقرا مواقفهم السياسية سواء كانوا في السلطة ام في المعارضة، نرى مواقفهم تقع لصالح الاحزاب الاسلام السياسي و بعيد جدا عن العلمانية و المدنية في مسارها . فهل من المعقول ان تحتسب للديموقراطية و متطلباتها اكثر من عمق الفكر اليساري و تضر به مستقبل اليسارية و تقع مواقفك لصالح البرجوازية و الراسمالية بشكل عام ،لان اليسار او التوجهات العلمانية وقفت او عرقلت بشكل ما هنا و هناك الديموقراطية الشكلية تطبيقا من خلال الانتخابات فقط و التي تتبناها احزاب الاسلام السياسي لصملحتها البعيدة المدى، و هل من المعقول ان تحتسب للمصلحة الفئوية او الشعبية لموقع حزبك اليساري على حساب اليسار العالمي و الفلسفة اليسارية بشكل عام . هل من المعقول ان تساند المرسي و تعتبر مجيء السيسي انقلابا ضد الديموقراطية واليسار في العالم، ام هل من المعقول ان تساند الاحزاب الدينية في العراق لكونهم اصحاب سلطة و جماهير و تهمش الحزب الشيوعي العراقي مثلا لكون جماهيريتهم لا تشر بالخير لمصالحهم السياسية .
ان ما يحير المتابعين هو الوغول في السياسة على حساب الفكر و الفلسفة و تضربهما بها و تضرٌ بهما ، السياسة التي تفرض معك و عليك ان تتعامل مع حزب يريد الديموقراطية تكتيكا لحين يبني له مكانة ليضرب بها الديموقراطية ذاتها، انه مناقض لكل ما يمت باليسار و مصلحة الشعب و من ضمنهم الطبقة الكادحة قبل الجميع .
لو دققنا التفاصيل و ثنايا العلاقات العديدة المختلفة الاتجاه والاشكال بين الاحزاب اليسارية العالمية مع بعضها او مع الاحزاب الاخرى، نرى ان تلك العلاقات جميعها مبنية على المصالح الحزبية الضيقة للمنطقة التي تتواجد فيها تلك الاحزاب، و هذا ما يفرغ الحزب من الفكر و تضرب الفكر بالسياسة و المصالح سواء كانت الخطوات المتخذة تكتيكية او استراتيجية . لذا اننا لم نلمس تحسنا في وضع اليساريين من خلال المؤتمرات السنوية للاشتراكية الديموقراطية العاملية، لا بل تحوي في تركيباتها حتى الاحزاب المحافظة باسم الاشتراكية . و حتى هذه الاحزاب لا تتفاعل مع مقررات الاشتراكية الديموقراطية الدولية و تخطو وفق ما يهم احزابهم فقط، لذلك، ان المقررات الخارجة من المؤاتمرات السنوية ليست لها تاثير مباشر على سياسات الاحزاب المشاركة بها و لم يلتزموا بها و ان لم يكن هناك ما يفرض تحديد الامور العامة لسياساتهم . هل من الصحة ان تطور علاقاتك مع الاحزاب الليبرالية و الدينية و الثيوقراطية والارستقراطية والراسمالية على حساب الاحزاب اليسارية، و ان كانت تلك العلاقات في صميم مصلحتك الذاتية .
لذا يمكن القول بان اليسار لازال مشتتا في جميع انحاء العالم و لم يتواصل مع بعضه و ليس هناك اطار عام لحركته و فعالياته و علاقاته، و لا يمكن ان نتصور نجاحا لهم ان لم يتبنوا سياسة متوحدة من اجل وحدة المصير قبل السير على الذاتية في العمل و التشبث بالمصلحة الذاتية الضيقة .
ربما يكون لاحد راي بان الاحزاب اليسارية الواقعية ايضا ولدت من رحم مجتمعاتهم و لهم صفات و مميزات لابد ان تؤخذ بالاعتبار، ربما نتوافق على خصوصياتهم، الا ان هذه السمات لا يمكن ان تكون على حساب الفكر والفلسفة اليسارية العالمية و المصالح العامة للجيمع و التي لم ترتسم اركانها على ارض الواقع منذ انهيار الاتحاد السوفيتي . ربما ينتقد البعض الاتحاد السوفيتي و الحزب الشيوعي الروسي بالذات على دورهم السلبي في هذا المسار و سيرهم على طريق لم تكن تؤدي الى الاتحاد بل حتى نظام الاتحاد السوفيتي فضل في احيان كثيرة الانظمة اللاراسمالية على الاحزاب الشيوعية و اليسارية في كثير من بقاع العالم بشكل عام . 
اننا نحس بالحيرة ازاء حيرة الاحزاب السياسية و تعلقهم بين الفكر و السياسة و حيرتهم في تضارب متطلباتهما الخاصة، اننا ننتظر الفرصة السانحة من اجل بذل الجهود لتوحيد او التقارب بين الاحزاب اليسارية العالمية بعد مرور اكثر من عقدين و نصف من انهيار الاتحاد السوفيتي و عدم لم شمل من و ما يتمسك باليسار فكرا و فلسفة و عقلية و تطبيقا . فهل يبقى اليسار متباعدا متناقضا في الافكار و متضاربا في السياسات طالما بقت الظروف العامة للمجتمع الدولي على حالها، و طالما كانت هناك فروقات شاسعة بين المجتمعات الشرقية و الغربية من كافة النواحي ؟