التطنيش عند الحكومة إلى أين؟

يتصل بي أكثر من واحد ليقول لي: دلني على صحيفة أو قناة تلفزيونية مقروءة او مشاهدة من قبل المحافظ ورئيس المجلس او أعضاء في البرلمان، أريد أن أنبههم الى القضية الفلانية الشائكة، لا بد من العمل على إصلاحها، إذ من غير المعقول أن لا احد من الحكومة تنبه إلى الخلل الكبير في الدائرة هذه، في المؤسسة تلك، في الشارع هذا، وفي السلوك ذاك.. ويظل يسهب في الشرح ويلحف في طلب الإجابة، ثم اجد أنه موجوع الفكر والقلب من استمرار العطل والخراب في المفصل هذا وذاك. لكني حين قلت له بان الحكومة لا تقرأ، ولا تشاهد ازداد حيرة وأطبقت على فمه الغرابة، ولكي أخفف من معاناته وحيرته قلت : هذا لا يعني أن المسؤولين اميين، لكنهم مشغولون بما هو خارج حيرتك وأسئلتك يا أخي .
وفي حقيقة الأمر انا شخصيا لم أدخل على مسؤول حكومي ورأيت جريدة في يده، أو أنه يشاهد قناة إخبارية، نعم، هم يقرؤون ويشاهدون ويسمون ايضاً، لكن قل لي ماذا يقرأ ويسمع ويشاهد المسؤول الحكومي؟ وقبل أن اعلم صاحبي بعبقرية المسؤول هذا اود أن أقول كلمة ظلت تأكل قلبي منذ زمان: اقول باني كتبت العشرات من المواد الصحفية وتحدثت عشرات المرات في التلفزيون عن مشاكل في البيئة والثقافة والزراعة والخدمات ومثلي تحدث العشرات والمئات من المواطنين في المفاصل هذه وغيرها لكنني لم أجد في بريدي او على رقم هاتفي مسؤولا واحداً يشكرني لأنني نبهت الحكومة إلى الخطأ الحاصل هنا أو هناك أو أنه ينصحني بتجنب الخوض في مسائل كهذا، لا بل تمنيت ان يطرق بابي يوما ما شرطي، ضابط امن ليقول لي بأنني مقبوض علي بتهمة التعرض لمسؤول ما، وأنني مطلوب للعدالة، ذلك لأنني أخطأت حين تحدثت بقسوة وتسببت بأضرار تمس السيادة او الأمن القومي .
لم اتوان عن تذكير صاحبي بالمقولة الشهيرة( حجي جرايد) التي كنا نطلقها، وهي أقسى مراحل الشعور بالخيبة والاحباط. لكنه قال بانه بدا يكتب وينشر همومه كمواطن شريف عبر الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، في اعتقاد منه بأن مثل هكذا وسائط قد تكون في متناول الجميع، بمن فيهم اعضاء الحكومة، لكنه، مع هذه وتلك لم يشعر بان الحكومة تنبهت للخلل الذي أشاره اليه، فقد ظل الطريق بين السراجي والمطيحة حتى البصرة محفورا بمئات الحفر، كما أن النفايات التي يلقي بها القصّابون وأصحاب المجازر غير الرسمية وهم حتى اللحظة هذه يلقون بالدم والكرشات والمصارين والعظام مثلما يلقون بمناديل الورق في اقرب مكب للنفايات، والبلدية غائبة تماما، ويوما إثر آخر يكبر جبل النفايات، وتظل الروائح الكريهة تزكم الانوف، ومع ذلك لا أحد يسمع ولا أحد يقرأ ولا أحد يشاهد.
الإحباط الذي يعاني منه المواطن البسيط هو ذاته، إن لم يكن اكثر إيلاما الذي يشعر به الصحفي والمثقف ورجل الاعمال والموظف في الدولة العراقية. وبدا واضحا أننا بلغنا مرحلة عسيرة على الفهم، إذ ما نفع ما نكتب عنه ونشير اليه ونتحرق إلى إصلاحه ورؤيته بالصورة التي يجب ان يكون عليها، وما الحكمة بعشرات الأشرطة التلفزيونية وأطنان الورق التي تذهب هدرا كل يوم، إن لم تتم معالجة الخلل الذي نشير له في الوسائل الاعلامية هذا ؟ ولمن يعتقد بأن أحوالنا مع مثل هكذا إحباطات لا تشكل ضرراً على المستقبل العراقي، نصرخ بوجهه ونقول انها الضرر والدمار بعينه. فلتحذر الحكومة من خطورة صمتها وعماها وطرشها، ونحذرها من التطنيش العمد هذا، فقد لا تجد ساعة خلاصها للندم.