نشر مقطع الفيديو، يظهر فيه اعدام تنظيم "الدولة الاسلامية" الطيار الاسير الشهيد معاذ الكساسبة، لكن هذه المرة جاء بسابقة لم تشهدها الحروب ولا الجماعات الارهابية "الجهادية" وهي بطريقة الحرق! الفديو كان منتج بجودة فائقة وبث عبر حساب بموقع تويتر يُعرف بأنه يروّج للتنظيم. بشار ان الكساسبة وقع في اسر داعش بعدما تحطمت طائرته بالقرب من الرقة في سوريا أثناء مهمة ضد التنظيم في ديسمبر2014. الشريط تضمن ايضا صور ولقطات الى طياريين اردنيين في اماكن اجازاتهم مع قائمة باسماء بعض الطياريين الاردنيين ودلالات عناوين سكنهم تحت عنوان "مطلوبين للقتل" وهي رسالة يراد منها اضعاف معنويات الطيارين الاردنيين تحديدا بسبب دور المملكة الاردنية في مواجهو هذا التنظيم. إن نشر قائمة الاسماء وتصوير بعض الطيارين في اجازاتهم داخل الاردن، يعكس الركيزة الاستخبارية عند هذه الجماعة، ويبعث رسالة، بان لديه مصادر قريبة من المؤسسة العسكرية الاردنية تستطيع الرصد والمراقبة وتنفيذ تهديدات او عمليات ربما ضد عوائلهم. إن الطريقة التي اعدم فيها الشهيد الطيار تعتبر سابقة، عند الجماعات "الجهادية" والمسلحة، رغم ان هذا التنظيم سبق ان اعلن في اشرطة فديو حرق عدد من الجنود العراقيين في محافظة الانبار عام 2014، في اعقاب المواجهات المسلحة التي اندلعت في يناير 2014. لكنها تبقى سابقة برهينة بحجم وقيمة الكساسبة.
الشهيد الكساسبة تم اعدامه في 3 يناير 2015
الخبر ربما لم يمثل صدمة الى الحكومة الاردنية، كون الاستخبارات الاردنية حصلت على معلومات بأن الشهيد الطيار اعدم في الثالث من يناير 2015، لكن الحكومة الاردنية لم تعلن ذلك لحسابات تتعلق باحترامها مشاعر عائلة الشهيد والشارع الاردني. هذه المعلومة دعت الحكومة الاردنية ان تطلب تكرارا ومرارا من التنظيم اثبات بأن الكساسبة مازال حيا في مفاوضات استمرت اكثر من شهر مع التنظيم عبر قنوات تفاوضية ابرزها عشائر عراقية سنية بالاضافة الى تركيا كون الاخيرة ترتيط بعلاقة طيبة مع التنظيم وسبق ان تعاملت بالافراج عن رهائنها مابعد اجتياح داعش لمدينة الموصل في يونيو 2014.
مصير الكساسبة كان مجهولا
اعدم تنظيم "الدولة الاسلامية" يوم 25 يناير 2015 احدى الرهينتين اليابانيتين، وهذا الحادث أثار ردود فعل دولية غاضبة، أدانت ما وصفته بالعمل الوحشي ودعت لإطلاق سراح رهينة ياباني ثانٍ مازال قيد الاعتقال لدى التنظيم. وفي رسالة صوتية للتنظيم، طالب مجددا بالإفراج عن ساجدة الريشاوي، المحكوم عليها بالإعدام في الأردن مقابل الإفراج عن "جوتو". هدد التنظيم يوم 27 يناير بقتل الرهينة الياباني والطيار الأردني اللذين يحتجزهما خلال 24 ساعة ما لم يتم الإفراج عن ساجدة الريشاوي المحكوم عليها بالإعدام في الأردن، بحسب تسجيل نشر يوم 28 يناير 2015، على مواقع تعنى بأخبار التنظيمات "الجهادية" "سايت". وظهرت في التسجيل صورة الرهينة الياباني الصحافي "كينجي غوتو" وهو يحمل صورة للطيار الأردني "معاذ الكساسبة" ويقول في رسالة صوتية : [أي تأخير من قبل الحكومة الأردنية يعني أنها ستكون مسؤولة عن مقتل الطيار الأردني ثم مقتلي، لدي فقط 24 ساعة متبقية وأمام الطيار أقل من ذلك] .
إن التنظيم كان يتفاوض بفك الرهينة الريشاوي والافراج عن الكساسبة، رغم اعدامه للاخير، فهو لم يعلن عن اعدام الكساسبة التي تمت بطريقة بشعة يوم الثالث من يناير 2015 حسب معلومات الاستخبارات الاردنية وربما يعود للدوافع التالية: الحصول على الاستقطاب الاعلامي، وهذا من خلال تغطية وسائل الاعلام المحلية والدولية التي كانت تتابع موقف ونتائج المفاوضات ومصير الطيار الاسير بالاضافة الى الرهينتين اليابانيتين. إن داعش خلط اوراق الرهينتين اليابانيتين مع الاسير الطيار الكساسبة مقابل الافراج عن ساجدة الربشاوي المحتجزة عند الحكومة الاردنية منذ عام 2005 والمتورط بعمليات تفجير انتحارية. وترك خلالها مصير الطيار الاردني الاسير مجهولا. ايجاد خلافات داخل دول التحالف الدولي، والشارع الاردني، حول موقف الاردن ومشاركته في مواجهة التنظيم؟ والرهان على جماعته من التيار السلفي لتحريك الشارع الاردني ضد حكومته. خلق حالة من الشد النفسي وضغوطات على الحكومة الاردنية وخاصة شخص العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، ربما تغير موقف الاردن من التحالف من وجهة نظره، مراهنا هذه المرة على التيار السلفي "الجهادي"في الاردن التي كانت تحاول استثمار قضية الكساسبة لمصالحها المتعارضة مع مصلحة الشعب والحكومة الاردنية. لماذا يتعمد تنظيم التنظيم اعدام رهائنه بطرق بشعة؟ يركز التنظيم على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة من اجل اشباع رغبات غالبية انصاره ومقاتليه داخل التنظيم التي تقوم على اساس القتل والثأر.الوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات اخرى وحشية ونتج عنها استقطاب المزيد من المقاتليين. أما طريقة عرض الرهائن وذبحهم، فقد كانت موضع اهتمام وكالات الاستخبارات الدولية أكثر من الاهتمام الإعلامي. التنظيم استثمر الرهائن لتكون مادة اعلامية بايصال الرسائل من خلال ارسال رسائل الى عائلاتهم وحكوماتهم وحمل صور لرهائن اخرى واجراء مقابلات مع البعض منهم مثلما فعلتها مع الشهيد الكساسبة على مجلته "دابق". الطريقة التي يتم بها ذبح الرهينة واخيرا طريقة الحرق مع الكساسبة أيضاً هي الاخرى أثارت الاهتمام. فخبراء الاستخبارات والمعنيون في وسائل الإعلام ذكروا ان الطريقة التي يقدم بها هذا التنظيم مواده هي طريقة متقدمة جداً بسبب استخدام نوعية كاميرات واستديوهات متقدمة وصفوها بأنها طريقة هوليودية وذكرت التقارير أن التنظيم يستعين بخبراء معنيين بالتصوير والمؤثرات السمعية والصورية في التصوير من خلال إعداد المقاتلين الأجانب.
لماذ اعدم التنظيم الكساسبة بهذه السرعة
إن اعدام التنظيم الى الكساسبة دون الاعلان عنه وبالطريقة البشعة ربما تكون للاسباب التالية: لغرض الثأر من الحكومة الاردنية التي تلعب دورا رئيسيا في مكافحة الارهاب اقليميا ودوليا ودورها داخل التحالف الدولي. ممكن ان يكون بطلب من التيار السلفي "الجهادي" الاخواني في الشارع الاردني، الذي يكن الحقد والعداء للحكومة والشعب الاردني. رد عنيف على اطراف عشائرية عراقية سنية تدخلت بالتوسط للافراج عن الكساسبة، بسبب حالات الانشقاق التي يشهدها التنظيم من الداخل خاصة في محافظة الانبار ومقاتلة غالبية عشائر الانبار هذا التنظيم. ان تأريخ اعدام الكساسبة يوم 3 يناير 2014 جاء متزامنا مع مقتل عدد من قيادات التنظيم الميدانية في محافظة الانبار. تجنب الخلافات "الشرعية" داخل قيادات التنظيم.
ورغم ان التنظيم يوصف باذكي وكان قائما على منظومة وحلقة إستخبارية مغلقة، فان اقدامه على اعدام الرهينة الكساسبة بهذه الطريقة وبهذه السرعة جعل التنظيم يخسر الكثير بسبب التداعيات التالية: إن اعدام الاسير الشهيد الكساسية بهذه الطريقة المروعة والبشعة، يثير الكثير من حالة الرفض عند الشارع العربي وربما حتى عند بعض الجماعات المسلحة الاقل تطرفا، كون الكساسبة مسلما يحرم حرقة ومن يدين بألاديان السماوية. زيادة تماسك الشعب الاردني وحكومته، بمواجهة الارهاب وتنظيم داعش وغيره من الجماعات "الجهادية" بعد ان كانت بعض المجموعات من الشعب الاردني توصف بالتراخي في مواجهة هذا لتنظيم وهذا ينطبق ايضا على الشارع العربي. تصعيد التعاون العسكري والاستخباري داخل التحالف الدولي، والذي ربما يرتقي الى وجود قوات عربية برية، كون الارهاب لم يعد مقتصرا على العراق وسوريا. فرض قيود اكثر على التيار السلفي "الجهادي" ورفض شعبي له.
هذه التداعيات من شأنها ان تصعد وتحرك الشارع والحكومات العربية لايجاد سبل حقيقية على الارض لمواجهة الارهاب وفي نفس الوقت يصعد من الجهد الاستخباري لدول التحالف الدولي والاقليمي برصد ومتابعة اماكن الاسرى عن داعش داخل "ولاياته" في العراق وسوريا واصدار قوانين جديدة اكثر شدة بتوجه المواطنين الى الكناطق الساخنة ابرزها العراق وسوريا في اعقاب الجريمة المروعة البشعة بأعدام الشهيد الكساسبة.
|