كلما ترتكب قناة الفضائية العراقية خطأ اعلاميا جديدا سواء كان في صياغاتها اللغوية للاخبار او في تغطياتها الاخبارية وتقاريرها الصحفية او اي نوع من الأخطاء الاخرى التي يعرفها اغلب الاعلاميين في العراق، يطرأ على ذهني الاسئلة الثلاث التالية : كم من الوقت والمال نحتاج لكي يُمثل العراق" قناة فضائية "مهنية ومحترفة تنقل هموم الشعب العراقي وتدعم مسيرة التوجه الديمقراطي وترتقي لحجم التحدي والاخطار التي تواجه العراق ؟ الا تكفي عشر سنوات من ضخ الاموال الطائلة وفضاء الحرية الممنوح لجميع وسائل الاعلام لخلق فضائية عراقية تلبي الغرض اعلاه ؟ ما هو المانع الحقيقي الذي يحول دون وجود مثل هكذا فضائية ؟ سياق التساؤلات المطروحة اعلاه جاءت بعد ان قامت قناة العراقية ، وعلى نحو يخلو من اي بعد اعلامي مهني أو حتى قيمي اخلاقي، صباح يوم الاربعاء المصادف 4-2-2014 بعرض فيديو لحظات احراق الطيار الاردني معاذ الكساسبة وهو على قيد الحياة من قبل تنظيم داعش في عملية أجمعت وسائل الاعلام الغربية والعربية، على نعتها بالبربرية والوحشية، وتحمل من الاجرام ماتعدت حدود الوصف والخيال. الشريط الاصلي للعملية البشعة حمل عنوان " شفاء الصدور" واستغرق حوالي 22 دقيقة رُفع الى موقع اليوتيوب من قبل الذراع الإعلامية لتنظيم "داعش" مؤسسة الفرقان، والذي لم يلبث سوى دقائق وقامت إدارة موقع اليوتيوب بحذفه وحذف كل مقاطع الفيديو المختصرة المتعلقة به وذلك لما يتضمنه التسجيل من بشاعة فضلا عن مراعاة مشاعر عائلة الضحية الطيار واحترامها كما هو معروف في عوالم التواصل الاجتماعي التي تقوم بحذف اي منشور " فيديو او صورة" من هذا النوع حالما يتم الابلاغ عنها من قبل مستخدمي هذه المواقع. وبرغم مخالفة عرض الفيديو لكل قوانين الاعلام القديم والحديث والمعاصر، وبعده عن المعايير الاخلاقية والقيم الانسانية، فقد كان لهذه القناة " العراقية " راي أخر، وموقف مغاير، حيث قامت بعرض مقطع الحرق " البشع" لاكثر من مرة وعلى نحو يبعث على الدهشة والذهول لكل متابع لهذه القناة التي انتهكت كل القوانين المتعلقة بهذا الشأن. ماذا يعني عرض هذا المقطع ؟ يعني ببساطة ان فضائية العراقية قد امست، بشكل مباشر، يد مؤسسة الفرقان " الداعشية " في حادثة حرق الطيار الاردني، فأكملت ما بدأت مؤسسة الفرقان بعرضه، ومنحتهم فرصة استعراض اجرامهم وايصاله للاخرين، والاكثر من ذلك انها اوصلت، بغباء شديد، رسالة التنظيم الاعلامية التي لم يتوقع، في أحسن احواله، ان هذا الشريط سيتم عرضه على قناة فضائية تعود للدولة التي تحاربها، وبذلك تم مشاهدة الفيديو من قبل عوائل واطفال ونساء، ودخل كل بيت شاهد، لسوء الحظ ، في تلك الصبيحة هذه القناة التي عرضت شريط "مروّع" قامت شركة جوجل بحذفه من موقع اليوتيوب من اجل تفادي الاخطار والتداعيات الناجمة عنه. يقول لي احد من شاهدوا القناة الفضائية في تلك الصبيحة ان زوجته واطفاله قد تفاجئوا بالفيديو وهو يعرض علنا أمام اطفالهم هذا المنظر المخيف، ولذا عرضهم للصدمة والتعجب وربما الاشمئزاز من هذا المنظر والقتل الخسيس الذي حصل للطيار الاردني والمشهد الدرامي الذي يقطر دما والما وعذابا ، وهو التصرف الذي يحق لكل شخص" تضرر معنويا ونفسيا "منه أن يقيم دعوة قانونية ضد القناة استنكارا لمانشرته من مقطع صادم نفسيا ومخالفا للقيم المهنية والاخلاقية. ماتم نشره لاكثر من مرة في صبيحة الاربعاء في العراقية دفعني شخصيا الى الشك في وجود اعلامي مهني حقيقي مسؤول في هذا القناة عموما وعن عرض هذا المقطع خصوصا يُدرك فداحة ماتم عرضه على شاشتها ويعي حقيقة وطبيعة ما ارتكبوه ، لاسيما انها تمثل الفضائية " الرسمية " للعراق وما يُعرض فيها لايميزه الكثير عن السلوك الحكومي للدولة العراقية التي قد تتعرض للنقد الشديد والتهجم من قبل من تم الاسائة لهم في هذا الفيديو من قريب او بعيد. التزام أي وسيلة اعلامية بمعايير المهنية ومبادئ الالتزام الموضوعي من أهم الاسباب التي تؤدي الى نجاحها وزيادة رصيد متابعيها من المشاهدين الذين يبحثون عن المعلومة الصحيحة والخبر الموثق بعيدا عن المراهقة الاعلامية التي تتعدد مظاهرها وتتنوع اشكالها في خريطة العمل الاعلامي العراقي. المشاهد المؤلمة المجانية التي تقدمها للارهابيين أي فضائية تسيء لمشاعر الضحية واهله من جهة وتنتهك قوانين الاعلام وشرائطها من جهة ثانية وتقدم خدمة مجانية للتنظيمات الارهابية التي تسعى لنشر ترويعها وبث كراهيتها واستعراض اجرامها للعالم من جهة ثالثة ، وهذا كله ماقامت به هذه قناة العراقية التي تتصدر، لكل اسف ، واجهة تقديم صورة العراق الحقيقية للعالم.
|