رغم ان موازنة 2015 قد اقرت من قبل مجلس النواب في وقت مناسب قياسا الى السنوات االسابقة، فلا يزال الجدل بشأنها متواصلا، خصوصا لجهة تاثيرها على عامة الناس، ومنهم الكادحون والفقراء وعامة ذوي الدخل المحدود. وان قراءة متانية للموازنة تكشف عن عيوب عديدة، واكبت كافة الموازنات منذ التغيير في 2003، فيما هي ترفع الستار، او هكذا يبدو، عن معضلة كبيرة تتعلق بالتسوية النهائية (الحسابات الختامية) للموازنات السابقة، وعلى الاخص تلك التي تخص موازنة 2014 التي لم تقر اصلا، فيما كان مخططا لها ان تكون اعلى موازنة في تاريخ العراق، حيث يصل حجمها الى 174 ترليون دينار عراقي اي حوالي 150 مليار دولار امريكي، وهي مبالغ يبدو انها صرفت او بددت، ولكن لا احد يكشف عما حل بها، واين صرفت، وكيف صرفت، ومن صرفها؟ وهكذا ذهبت ترليونات اضافية من الدنانير العراقية مثلما ذهب فائض السنوات 2004 - 2013، المقدر بـ 261 ترليون دينار عراقي لم يعرف شيء عنه لحد الآن حسب تصريحات اعضاء اللجنة المالية البرلمانية. واذا كان من الجيد ان تواصل موازنة 2015 تخصيص مبالغ الى المشاريع الاستتثمارية وبتقدير يزيد على 41 ترليون دينار عراقي، فان قانون هذه الموازنة لم يتحدث كما لم تتحدث وزارة التخطيط المعنية بمتابعة مشاريع الدولة الاستثمارية، عن مئات المشاريع التي خصصت لها اموال طائلة ثم ظهر لاحقا انها مشاريع فضائية او فاشلة او غير مكتملة، والانكى من ذلك ان هناك مشاريع انجزت فعلا ولكنها تركت ولم يجر تشغيلها او الاستفادة منها، مما يؤشر خللا كبيرا في عملية التخطيط اصلا، وفي دراسة الجدوى من اقامة مشاريع كهذه! أفلا يستحق ذلك مساءلة المسؤولين عن مثل هذا الفشل المتكرر؟ على ان الشيء اللافت، ورغم ما يعلن عن الحرص على مصالح عامة الناس والفقراء منهم خصوصا، وعن عدم إلقاء اعباء الضائقة المالية عليهم، هو ان الموازنة جاءت لتعبر عن مواقف منحازة للاغنياء وذوي الدخول العليا، فهي لا تتحدث، لا من قريب ولا من بعيد، عن الضريبة والضريبة التصاعدية مثلا، اوعن التوجه لاصلاح النظام الضريبي وتفعيله كي تلعب الضريبة دورها في تعزيز موارد البلد، ولاستخدامها في اعادة توزيع الدخل والثروة وتحقيق شيء من التضامن الاجتماعي والعدالة، كما لا نجد فيها ما يؤشر توجها لتبني سلم جديد للرواتب يشمل الجميع ، بمن فيهم الرئاسات الثلاث ومجلسي النواب والوزراء وذوو الدرجات الخاصة، ويردم الفجوة الكبيرة بين الرواتب العليا والرواتب الدنيا والتي تزيد عن 60 مرة، فيما المعايير العالمية تقبل بفرق يبلغ حجمه 25 مرة. وبدلا من رسم التوجهات العلمية السليمة نحو تنويع مصادر الدخل والانتاج، والاهتمام بقطاع الدولة واعادة تاهيله واصلاحه اقتصاديا واداريا على وفق مباديء الشفافية والكفاءة والمساءلة، بدلا من ذلك نجد هرولة غير مبررة على الاطلاق نحو جادة الخصخصة وكأنها العلاج الشافي الوافي، من دون اكتراث للناس العاملين في المؤسسات المعنية، ولتجارب الدول التي هرولت قبلنا الى علاج اقتصادها بـ "الصدمة":، فصار وبالا عليها. وهكذا ومن جديد يتضح جليا ان الحاجة لا تزال قائمة الى تبني سياسة اقتصدية علمية، تقود البلد الى مغادرة اقتصاده الريعي وحيد الجانب، والانتقال الى تنمية مستدامة والى تحقيق العدالة الاجتماعية.
|