العراق تايمز: حسين رشيد..
في بداية أحد أزقة منطقة النعيرية / بغداد الجديدة، ثمة حركة لعمال بناء وسيارات تنقل انقاضا وأخرى تنقل مواد بناء. في اقصى الزاوية يجلس المدرس المتقاعد الأستاذ خالد حسين. وهو ينظر بحسرة الى تجريف حديقة منزله وقلع السياج الخارجي للدار من اجل بناء ما يعرف الآن بـ "مشتمل" لأحد أبنائه الذي لم يعد يقوى على دفع إيجار الدار الصغيرة التي استأجرها قبل اكثـر من عامين بسبب الارتفاع المتصاعد ببدلات الإيجار، وقلة العمل او شحته كما قال.
نسرين صليوا أشارت الى بيتها السابق حيث تصفه انه من اجمل بيوت المنطقة، اذ كانت مساحته قرابة 400 متر مربع بحديقة أمامية وخلفية وكراج يتسع لأكثـر من سيارة. وبسبب أعمال العنف والتشدد الديني وتوقف العمل في أعوام الاحتراب الطائفي وبعد التهديد اضطررنا لبيعه بمبلغ لا يصل الى نصف قيمته الحقيقية. وها أنت تراه الآن عبارة عن غرف محشورة واحدة في بطن الأخرى تحت ما يسمى بالمشتمل، حيث قسم البيت الى أربعة مشتملات إيجار كل واحد قرابة بـ 750ألف دينار. والحكايا لا تنتهي.
الموازنات والسكن سبق وان كشف مجلس محافظة بغداد عن توقف العمل في 100 مشروع، معظمها مشاريع سكنية، وأبنية مدرسية، وشبكات للصرف الصحي وذلك نتيجة عدم إقرار مجلس النواب موازنة عام 2014. في ذات الأمر اكد عضو هيئة الاستثمار في بغداد ثائر الفيلي "ان عدم إقرار موازنة عام 2014 لم يكن السبب الوحيد لتوقف العديد من المشاريع، بل ان غياب الدور الرقابي للسلطتين التنفيذية والتشريعية على المشاريع، والعقود المبرمة مع شركات مستثمرة في تلك المشاريع أدى الى تعثر تنفيذها بشكل كبير وبشكل خاص أزمة السكن والمشاريع الخاصة بها.
الآن وقد أقرت موازنة 2015 هل سيكون هناك حل ولو جزئي لأزمة السكن التي شطرت بيوت بغداد الى بيوتات عدة؟
المساهمة في حل الأزمة البنّاء (علي القريشي) الذي تحول الى مقاول إعمار وترميم للبيوت، تحدث عن هذا الأمر وسبب انتشار ظاهرة انشطار البيت الى مشتملات عدة: "انا اعمل في مهنة البناء منذ الصبا، كان العمل كثيرا ويدر أرباحا جيدة، ولا نلغي بعض فترات الكساد، لكن بعد 2003 والانتظار الذي لم يثمر عن شيء فيما يخص أزمة السكن اضطر الكثير من العوائل الى تقسيم الدور الكبيرة او بيع جزء منها بسبب حاجة او ضائقة مالية."
اضاف القريشي: "البعض اضطر لبيع داره بالكامل واختار السفر او الانتقال الى محافظة اخرى، والكثير ممن يشترى هذه البيوت يقوم بتحويلها الى مشتملات عدة او شقق سكنية. وانا اعتقد ان هذا الأمر رغم ما سببه من خراب لشكل المدينة وبيوتها، الا انه ساهم بحل ولو جزئي لأزمة السكن. لأن الحكومة والجهات المعنية لم تعمل بشكل جاد بهذا الشأن."
العشوائيات ومبادرة السكن دفعت أزمة السكن المتفاقمة في العراق، وارتفاع بدلات الإيجار، المواطنين، نحو مناطق العشوائيات، وتحديدا في بغداد. وتنتشر غالبية العشوائيات بالقرب من مقرات القوات الأمنية، حيث كشفت محافظة بغداد: أن عدد سكان العشوائيات في العاصمة، بلغ نحو 600 ألف عائلة لجأت الى السكن في أماكن لاتصلح للعيش مطلقا لكن الواقع فرض عليها ذلك وسط إهمال حكومي لهذا القطاع. وكانت الحكومة العراقية قد أعلنت في العام 2013 المبادرة الوطنية للسكن، حيث وزعت سندات تمليك الأراضي، أعقبها توزيع أراض في عدد من المحافظات تزامنا مع الانتخابات.
بغداد أغلى من لندن قبل أيام هاتفني احد الأصدقاء من لندن يطمئن عن الأمور والأحوال الخاصة والعامة، وحين شعرت بحنينه الجارف للبلد، طرحت عليه فكرة العودة، صمت برهة ونطق: يا صديقي لا أريد ان أتحدث عن إشكالات العودة الى الوظيفة ونيل الحقوق واستحصال الوثائق الرسمية... الخ من أمور، لكن كيف اجد مكاناً ملائماً للسكن، فالبيت الذي اشتريته في احد اهم شوارع لندن بقرض من المصرف، لا يجلب ثمن بيعه دارا في اطراف بغداد! لينتهي بعدها الحديث بالأماني والسلام.
حقا إنها مفارقة عجيبة غريبة ، بغداد التي تعد اخطر العواصم أمنيا، واكثر المدن احتواء للنفايات، وأكثرها شكوى من سوء الخدمات من ماء صالح للشرب، وكهرباء ومجارٍ، اضافة الى الاختناقات المرورية وووو، لكن رغم كل ذلك فهي الأغلى على مستوى العالم من حيث السكن، سواء كان شراء ملك او ايجار. فليس بمقدور اي مواطن الآن ان يشتري او يستأجر دارا في بعض مناطق بغداد لارتفاع أسعارها بشكل فاحش وكبير جدا، اذ يعجز الكثير عن ذلك . ومن المفارقات ان الكثير من دور هذه المناطق معروض للبيع او للإيجار. واذا ما قيست بالمناطق الاخرى المتوسطة الحال او الأدنى فمن الصعوبة جدا الحصول على دار في تلك المناطق، ما يدل على ان اغلب أفراد الشعب العراقي يعيشون في ضنك وان نسبة الفقر هي الطاغية قياسا بما يتمتع به البلد من خيرات وفيرة يفترض ان تسخر لرفاهيته وسعادته لا ان تكون مصدر عذابه وتعاسته وحرمانه.
المجمعات الخاصة بدوائر الدولة من هنا يأخذنا الموضوع للتطرق الى المجمعات السكنية التابعة للوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية التي انشئت في العقود السابقة. وعلى سبيل المثال تجد مجمعا سكنيا يسمى بدور الزراعة، او الصناعة، او السكك، او الصحة الخ من وزارات او مؤسسات الدولة، لماذا لا تعود هذه المجمعات السكنية وتنشأ بالقرب من المنشآت او الدوائر التابعة لتلك الوزارات لتكون خطوة في القضاء على أزمة السكن الخانقة. من خلال تعاقد الوزارات مع شركات انشائية مختصة ببناء الدور والمجمعات، لإسكان موظفيها وبشكل خاص لمن لا يملك سكناً في بادئ الأمر، ومن ثم لمن يرغب، وذلك عن طريق الاستثمار، او الدفع الآجل. واذ ما عدنا الى اصل الأزمة نجدها أزلية . فعلى مدى الثمانينات والتسعينات وحتى سقوط النظام البعثي، لم تكن هناك خطة واضحة لمعالجة الأزمة ، أي أزمة السكن في المستقبل، ولم يبن أي مجمع سكني سواء أكان أفقيا ام عموديا، باستثناء ما وزع بين رجال وأزلام النظام. وذلك لانشغاله بالحروب ضد دول الجوار، وبناء ترسانة عسكرية على حساب الإعمار والبناء، لكنها لم تنفعه بشيء حين اتخذ قرار إبداله. ذلك فضلاً عن افتعال الأزمات الداخلية، وإشباع رغباته التدميرية.
اذن اغلب الأطراف الحاكمة السابقة واللاحقة تتحمل هذه الأزمة، اذ لم تبادر الى حلها بشكل علمي ودقيق ومدروس يضمن ان يسكن كل مواطن عراقي بدار او شقة تليق به وبما يتمتع به بلــده من خيرات.
قروض صندوق الإسكان كنا نامل حين إطلاق سلفة الـ 100 راتب للموظفين، وحسبما أعلن عنها في وسائل الإعلام المختلفة انها مساهمة ومساعدة للموظف ببناء دار تؤويه مع عائلته، وخطوة في حل أزمة السكن مثلما صرح بذلك بعض المسؤولين المعنيين بالأمر لكن شيئا من ذلك لم يحدث مطلقا. واذا ما عدنا الى شروط منح القرض، نرى انها تضمنت أن يكون الموظف المستفيد لديه خدمة فعلية لمدة 5 سنوات وعلى ملاك الدائرة المثبت عليها، بمنعى ان أصحاب العقود غير مشمولين!، فضلا عن تسليمه الدولة سندا عقاريا خلال ستة أشهر من تسلمه القرض، يؤكد انتفاعه بهذه السلفة او القرض. كما ان عليه ان يقدم كفيلا، اما ان يكون موظفا يكفي راتبه الاسمي لسداد القسط الشهري للسلفة، او موظفَين يغطي راتبهما هذا القسط.
ولو افترضنا ان الراتب الكلي لبعض الموظفين مليونا ونصف المليون دينار عراقي، واذا ما منح 100 راتب بنصف راتبه الكلي يعني ان المبلغ سيكون 75 مليون دينار عراقي. ترى هل هناك دار تتمتع بمواصفات سكن ملائمة ولائقة بهذا المبلغ، خاصة إذا عدنا الى أزمة السكن الموجودة الآن في عموم البلاد.
لكن كم موظفاً يتسلم مرتبا كهذا، وكم واحداً منهم يستحق القرض وفق شروط منحه، وكم واحداً منهم سينال رضا مديره العام. ولو ناقشنا الأمر بهدوء وروية، وافترضنا انه تم التسلم وهناك موظف لديه قطعة أرض ترى هل سيكفي المبلغ المتسلم لإتمام البناء، خاصة أن إطلاق القرض سيرافقه ارتفاع كبير في الأسعار بشكل عام ومواد البناء بشكل خاص. وعلى سبيل المثال قبل عدة أشهر كانت سيارة الطابوق بـ 750الف دينار والآن في هذه الأيام وصلت الى مليون ومائة الف دينار، هذا فقط بإعلان الخبر. ترى كم سيصل سعر الطابوق لحظة الإطلاق، وكم سيرتفع لحظة التسلم، والى أي رقم سيصل حين يزيد الطلب عليه. هذا بالنسبة للطابوق فقط فماذا عن باقي المواد الأخرى الداخلة في البناء من اسمنت وحديد وجص وزجاج وكاشي بأنواعها، اضافة الى اليد العاملة.
|