ذكرت في مقالتي السابقة شيئا عن طرافات الدكتور جان روستان. وهذا ذكرني بزملاء آخرين له، منهم الدكتور بول والدكتور أندريه سوبريان، من أشهر أطباء باريس. ومن الواضح أن ما يتطلبه الطب والجراحة من جهد وإرهاق نفسي ومسؤولية فائقة يجرهم للتخفيف عن أنفسهم بالتندر والتفكه. وهذا ما وجده الطبيب الفرنسي سوبريان، فغصت الصحف الفرنسية بطرائفه وحكاياته. قصد عيادته يوما من الأيام فلاح مثخن بالجراح والكسور، فسأله هل أصبت بحادث اصطدام؟ قال: لا أبدا. عاد فسأله: وماذا عن كل هذه الجراح؟ أجابه، إنها من ثور نطحني ورماني على سور البيت. - أفلا تسمي ذلك حادثا؟ - كلا. فالثور لم يتعمد نطحي! لاحظ ما نلاحظه جميعا من كثرة الأدوية وتعددها واكتشافات المزيد منها كل يوم فقال: «الأمر واضح. لقد تعددت اكتشافات الأدوية الجديدة حتى أصبحت الآن بأيدينا أدوية علينا نحن الأطباء أن نكتشف أمراضا نداويها بها»! ولكنه آمن برسالته كطبيب فقال: «بهذا التطور الحثيث الذي نراه في ميدان الطب، لن يبقى بأيدينا ما ينبغي علينا قهره والتغلب عليه غير الموت». له حكايات كثيرة منها قصة أحد زملائه الأطباء. حدث له أن نازل خصما في مبارزة بالسيوف وقتله. عاد إلى البيت كئيبا قلقا، فقالت له زوجته: «ولماذا كل هذه الثرثرة والقلق؟ إنك طبيب ومعتاد على قتل الناس كل يوم». «نعم.. ولكن القتل بالسيف يبدو أمرا غريبا بالنسبة لي». واستقبل سوبريان يوما إحدى السيدات وقالت له: «دكتور، أنا شخصيا لا أومن بالميكروبات. فقال لها، وماذا تنتظرين منها أن تفعل يا سيدتي»؟ كثيرا ما ألقى محاضرات علمية للجمهور العام. وكان الجمهور يتهالكون على حضورها لا ليتعلموا منها شيئا، وإنما لسماع قفشاته وبدائع رواياته وسخرياته اللاذعة. كانت منها محاضرة عن تحديد النسل. فخاطب النسوة بصورة خاصة وقال: «سيداتي الفاضلات، أنتن تقمن بالغسل يوم الاثنين وتخصصن يوم السبت من كل أسبوع للتسوق وشراء الحاجيات البيتية. وكلها يوم واحد من كل أسبوع، فلماذا تصنعن الأطفال يوما بعد يوم، كل أيام الأسبوع»؟! وكسواه من الأطباء واجه سوبريان محنة الأسئلة والاستشارات الطبية التي تلقيها السيدات على الأطباء في الحفلات والولائم وكل المناسبات الاجتماعية حالما يكتشفن فيها أن الجالس أمامهن طبيب. وهو ما يتضايق منه كل الأطباء كما سمعت منهم. ولهذا الطبيب الفرنسي نصيحة لسائر الأطباء في العالم. كلما سألته سيدة عن شكوى أو علة فيها في مناسبة اجتماعية أو وليمة عامة، كان يقول لها: «حسنا، يمكنني يا سيدتي أن أتحقق من ذلك على الفور... دعيني أجري كشفا عليك الآن لأرى»!
|