لازال منهج ( دفع المسؤولية ) هو الأثير لوزراء التربية منذُ سقوط الدكتاتورية ، وهو المنهج السائد لأقرانهم في الوزارات الأُخرى ، لأن الجميع سعوا ويسعون الى ( تكييف ) أدارتهم للوزارات مع ( شبكة ) منافع أحزابهم ، دون احداث أي تغيير في واقعها المتردي منذُ عقود ، حتى مع ( فورة ) التخصيصات غير المسبوقة خلال السنوات الماضية ، قبل أن تدخل البلاد في نفق العوز المالي الذي ترتب عن سوء التخطيط . وزارة التربية المسؤولة عن بناء أجيال جديدة ، بعد الخراب العام الذي أحدثته الدكتاتورية ، كان يُفترض أن تكون نصب أعين الساسة الجدد ، أولئك الذين كانوا معارضين لسياسة الدكتاتور التي أطاحت بهيبة التعليم في العراق ، بأعتماده منهج الـ ( تبعيث ) سيئ الصيت ، لا أن يعتمدوا نفس المنهج في ادارتها ومناهجها ، حين أخضعوها الى (سرطان) المحاصصة ، الذي تحكم في أختيار وزرائها الذين أختصروا العراق بأنتماءاتهم الطائفية والحزبية . لقد تعالت أصوات المختصيين والخبراء والعلماء وعموم الوطنيين العراقيين طوال السنوات الماضية ، بضرورة الاهتمام بملف التعليم بفروعه المتعددة ومستوياته ومضامين مناهجه ، المسؤولة عن ادارتها وزارتا التربية والتعليم العالي ، لكن ذلك لم يلقى آذاناً صاغية ، ولم يغير من سياسة الحكومات المتعاقبة في العراق الى الآن ، وما النتائج المتردية عن سوء الاداء في هذا المجال ، الا دليلاً قائماً بالارقام والوقائع على صحة ما دعت اليه تلك الكفاءات ، وحذرت من نتائجه الكارثية حاضراً ومستقبلاً . ليس أدلُ على ذلك الآن من ( اقتراح ) وزير التربية السيد محمد اقبال المقدم الى مجلس الوزراء والمتضمن ،( بناء المدارس من قبل الأهالي على ان يقوم صاحب المال ببناء المدرسة وتتعاقد معه الدولة على دفع ايجار مجزي لمدة 20 سنة ثم تقوم الدولة باستملاكها كحل سريع للقضاء على ظاهرة قلة الابنية المدرسية ) !. لقد ( أجتهدت ) أحزاب السلطة في العراق طوال السنوات الماضية على تكريس البيروقراطية في تنفيذ قوانيين الدكتاتورية السابقة التي لازالت نافذة المفعول بعد سقوطها ، وفي القوانين الجديدة التي أُقرت بعدها ، وكل ذلك جاء لغاياتِ في نفس ( يعقوبها ) ، وما الاقتراح الجديد لوزير التربية الا منفذاً آخر للكسب غير المشروع لشركات تأسست من قبل أفراد يمثلون أذرعاً وأكتاف للسياسيين المتحكمين بالقرار ولأحزابهم ، ومن الادلة على ذلك الملفات التي لاتُعد ولاتُحصى للمشاريع الوهمية التي تجاوزت أقيامها الترليونات بالعملة العراقية ، ناهيك عن ملفات المقاولين الهاربين بعد استلامهم سلف تنفيذ المشاريع ، بوساطات وتأثير من الرؤوس السياسية المتنفذة في جميع محافظات العراق !. اقتراح الوزير يمثل صورة ( فاقعة ) لتفكير المسؤول الحكومي ، لأنه يقلب الهرم المعتاد لمسؤولية الحكومة في توفير مدارس لتعليم أبناء الشعب الذي أنتخبها وفوضها لأدارة المال العام لمصلحته ، وهو غير مقبول تحت أية ظروف تمر بها البلاد نتيجة أخطاء حكامها ، ليس في مجال التعليم فقط ، انما في كل المجالات الأُخرى ، لأن الخراب الذي يعصف بالعراق هو خراب عام ولاتجوز معالجته بترميمات هنا وهناك ، بل أساس علاجه هو في تغيير السياسات والمناهج وعموم أداء السياسيين المسؤولين عن تداعياته . لقد تحمل شعبنا الويلات من ظاهرة ( تأجير الضمائر ) الدخيلة على العراقيين ، ولأن مدارسنا العراقية هي ( بيوتنا الكبيرة ) التي تعلمنا في أروقتها أبجديات المعرفة ومبادئ الوطنية على أصولها ، وتحت رعاية أساتذتنا الأجلاء طوال العقود الماضية ، فأننا لانسمح لكائن من كان تلويث تأريخها المشرف الذي هو تأريخ أساتذتنا وتأريخنا وتأريخ العراق ، لذلك نرفض أقتراح الوزير المتضمن تأجير المدارس أحتراماً لمعانيها ورسالتها الانسانية ، ونطالب بتخصيصات استثنائية لتنفيذ برامج واقعية ومدروسة بحكمة ، لسد النقص في حاجات جميع مدن العراق للابنية المدرسية ، حتى لو كان ذلك على حساب القطاعات الاُخرى ، لأن المدارس في الأصل ( مصانع ) للضمائر الوطنية العصية على التأجير !
نص تصريح الوزير . http://www.mustaqila.com/news/151326.html
|