بعد أن أخذت نموذجا عراقيا للدكتور الظريف، فقد حق علي أن آتي بنموذج مصري من ذلك. وليس أجدر من الدكتور محجوب ثابت من مثال. بيد أنه لم يكن ظريف اللسان بقدر ما كان ظريف السلوك بما جعله مصدرا للظرف في أصحابه. عاش في خضم تصاعد الحركة الوطنية والقومية وشارك في ثورة 1919. جرته نزعته القومية إلى دعوة الشباب لنبذ القبعة والبيريه واستبدال العقال بهما. وبينما عمد الأطباء لاستعمال السيارات في عملهم، أصر هو على ركوب الحصان، وراح يجري لزيارة مرضاه ويخطب في المتظاهرين على صهوة جواده. ومضى فأصر في كلامه على لفظ القاف بصوته القرآني وليس بالهمزة على أسلوب أهل القاهرة والشام. ودغدغ ذلك مشاعر زملائه الشعراء، كما سنقول. انفجر نزاع بينه وبين زميله سليمان فوزي الذي تمادى في مهاجمته في مجلته «الكشكول»، فرد عليه محجوب بقوله: «طز على العيهور طز»! حاول أحمد شوقي مرارا مصالحتهما، ولكن الدكتور كان يرفض ذلك ويقول: «يشتمني في الزفة ويصالحني في عطفة؟!». لم يملك شوقي غير أن ينظم قصيدة بلسان الدكتور يقعقع ويقاقي فيها بقافات محجوب: يمينا بالطلاق وبالعتاق وبالدنيا المعلقمة المذاق وكل فقارة من ظهر مكسي* بصحراء الإمام وعظم ساق وتربته وكل الخير فيها ونسبته الشريفة للبراق! وبالخطب الطوال وما حوته وإن لم يبق في الأذهان باق وكسري الشعر إن أنشدت شعرا ونطقي القاف واسعة النطاق أيشتمني سليمان بن فوزي و«بيبي» في يدي ومعي «تباقي» تقاقي ذهنه من غير بيض ولي ذقن تبيض ولا تقاقي! وتحلاق اللحى ما كان رأيي ولا قص الشوارب من خلاقي أنا الطيار رجل في دمشق إذا اشتدت ورجل في العراق ألا «طز» على العيهور «طز» وإن أبدى مجاملة الرفاق بقارعة الطريق ينال مني ويوسعني عناقا في الزقاق
ويمضي بلسانه شوقي فيعبر عن ضيق الدكتور من حياته وعزوبته وسوء طالعه فيقول: فسبحان المفرق حظ قوم قناطير وأقوام أواقي وقوم يرتقون إلى المعالي وقوم ما لهم فيها مراقي وعيش كالزواج على غرام وعيش مثل كارثة الطلاق أمور يضحك السعداء منها ويبكي «البلشقي» و«الاشتراقي»
وهذا هو الجانب المأساوي من الظريف المهرج مما سأعود إليه في مقالتي المقبلة.
* مكسي اسم حصان الدكتور
|