ربما يخطا من يظن بان بوتين لم يقيٌم الواقع العالمي الحالي ولم يقارنه بالماضي ويعتقد بانه يخطوا وفق ما سار عليه الاتحاد السوفيتي سابقا استنادا على الظروف الموضوعية حينئذ، و التي فرضت ارضية و واقعا وفٌر عوامل نجاح الاتحاد السوفيتي في توسيع نفوذه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و اتفاقية يالطا التي قسم مواقع النفوذ للقوات المنتصرة على النازية و الفاشية في اوربا و من ثم العالم بشكل كامل . لازالت الولايات المتحددة تعيش نشوة الانتصار على الاتحاد السوفيتي و شاهدت تفككه، و هي اغترت و اصيبت نتيجتها بامراض شتى، و منها محاولتها السيطرة على مصالح العالم و خضوعهم لهيمنتها . و في المقابل من مصلحة روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي ان تحس بمسؤليتها و ان تهب واقفا من اجل الاستنهاض بالنفس من اجل مستقبل شعبها على الاقل، و هذا ما يحتاج الى سياسات خارجية ملائمة لما يضمن مصالحها و هو ما يوجهها عفويا الى وضع القيود امام السيطرة المجحفة لامريكا على العالم وهي ما تعمل على توجه واحد فقط و هو ضمان مصالحها على حساب شعوب العالم اجمع فقط . فالتاريخ له افرازات ربما تفيد من يعتبر منها اكثر من القوة و الامكانية. روسيا لديها امكانيات مادية و تاريخية و جغرافية كبيرة و معتبرة، تحتاج لتنظيم واعادة ترتيب الذات للاستعداد في ادارة الصراع، بعد قراءة ما يجري في العالم بدقة من وجهة نظر مصالح العالم وليس ما تهمها نفسها فقط كما تفعل امريكا، عندئذ يمكن ان تنجح في مسعاها في منافسة امريكا من كافة الجوانب و في جميع المجالات . فان احست اية دولة في اية زاوية في العالم، انها بخطوة او سياسة ما تضمن حياة شعوبها و مستقبله بالتنسيق و التحالف مع روسيا سوف تضطر ان تترك امريكا لذلك، و هذا ليس فرض مواضع النفوذ بقدر انبثاق او بناء ارادة ذاتية لتلك الدول من اجل ان تكون مواقع نفوذ روسية و ليست امريكيةفي حال المقارنة و اختيار الافضل . فان مصلحة بلاروسيا و جورجيا و استونيا و حتى يونان و دول اوربية و شرق اوسطية كثيرة يمكن ان تتوائم مع مصالح روسيا . و هم يريدون ذلك منذ و حسب ما يحس به المراقبون، محاولين الخروج من ضيم المفروضات الامريكية التي يمكن ان ترجع بالضرر عليهم و تفيد نفسها فقط بعيدا عن تبادل المنفعة . ما تدعيه امريكا من الناحية الثقافية و السياسية سوف يعود عليها على عكس ما تعتقده من صراع الحضارات و ما تتجه اليه المعمورة نتيجة افرازات العولمة و تقدم التكنولوجيا و ما تدعيه من نهاية التاريخ و اصالة النظام الراسمالي و ثبوته دون اي منافس كما تعتقد هي و ليس غيرها . ان كان احد على اعتقاد بان المرحلة الحالية ربما تفرض توجهات الشعوب نحو الغرب اكثر من روسيا، فانه من المؤكد بعد تقيم ما نمر به الان، فان المآزق الكبرى التي تمر بها المناطق سوف تفرض على الجميع اعادة النظر في سياساتهم، و سيشهد العالم انعطافة كبيرة عندما تصلهم واحدا بعد الاخر شرارة النار المشتعلة الان في هذه المنطقة بشكل او اخر . و حتى من الناحية الاقتصادية اننا نعتقد بان النظام الاشتراكي البعيد عن الخصخصة سوف يفرض نفسه عاجلا كان ام اجلا، و هذا ما يعيد امريكا الى حال تفكر كثيرا في سياساتها الخارجية و يفرض عليها الوضع العالمي الجديد التقوقع او اعادة النظر فيما تسير عليه الان و ما تفرضه من الشروط على الدول التي تقع تحت نفوذها من كافة الجوانب . اذا، لو خطى بوتين وفق ما يتجه اليه العالم نتيجة جشع و اخطاء امريكا من النواحي السياسية الاقتصادية الثقافية، فانه ينجح في اعادة الهيبة الى بلده و ينجح في نشر نفوذ روسيا عفويا و ليس فرضا او قسريا في العالم، لو ابتعد عن بعض الحركات البهلوانية المتهورة الشخصية في سياساته، و تعمق في توجهاته و خطواته العالمية، و لا يمكن قياس ما هو عليه العالم بانه حالة نهائية و ستبقي امريكا على ما هي عليه من السيطرة . صحيح ان الظروف التي ادت الى انبثاق المعسكرين في العالم ليست كما هي الان، و لكن لو تمعنا اكثر ربما نصل الى اعتقاد باننا نتوجه الى نهاية حرب بمثابة حرب مستعرة الان و هي حرب عالمية ثالثة بشكل و اخر و هذا ما تفرض ظروف جديدة و تتطلب قوى ان تؤدي دورها وتحتاج لقيادات جديدة و دول تكون لها ادوار مختلفة عما كانت ابان نشوء المعسكرين، و لكن من المؤكد ان نهاية القطب الواحد قد اقترب دون اي شك بعد الفوضى التي يشهده العالم في كل زواياه، و نحن بانتظار انعطافة كبرى و مسيرة جديدة و انبثاق حالة عالمية جديدة لها السمات ولها التركيبات المختلفة لما كان عليه العالم من قبل او ابان الحرب الباردة . و من هذا المنطلق يمكن ان نعتبر زيارة بويتن الى دولة هي قلب منطقة الشرق الاوسط تاريخية و مؤثرة و قلب منطقة نابض و لها الدور الرئيسي في تحديد وجهة التغييرات في المنطقة، في الوقت الذي تشهد المنطقة الاخطاء المتكررة من امريكا و رئيسها الحالي في تقيم المنطقة و كيفية التعامل معها، و منها قراءة الواقع المصري و اكثرية دول الربيع العربي . فيمكن ان نعتبر زيارة بوتين بداية الانعطافة التي ننتظرها في المسيرة العالمية و تاثيراتها على المنطقة . لا يمكن ان نتوقع عودة ظروف الحرب الباردة في مطقة الشرق الاوسط الا اننا يمكن ان نتاكد بانه قد وصلت سيطرة القطب الواحد على المنطقة الى منحدر لابد من تصحيح مسارها بحيث تنبثق من التغييرات حالات لا يمكن ان تجعل امريكا ان تستمر في سياساتها الحالية .
|