بين استقلال القضاء واستغلال القضاء



لم توجد حاجة ماسة لثورة شعبية طاغية ضد مؤسسة حاكمة , كحاجة العراقيين اليوم لثورة وطنية ضد المؤسسة القضائية تمحو عنها عار خنق الحريات , وتقيم مكانها سلطة قضائية عادلة شامخة تحترم الحريات وتقيم وزنا للعدالة والمساواة .
فلم تتسلط على رقاب هذا الشعب مؤسسة ظلمت العراقيين بطريقة قانونية !!كمثل مؤسسة القضاء العراقي بوضعها الحالي , التي بدأت بالتغوّل في قراراتها شيئاً فشيئأً على الشعب العراقي المطحون بالفساد السياسي والاداري والمالي, حتى باتت الشبهات المحيطة بالقضاء العراقي وبسمعته آخذة يوما بعد اخر بالتجلي بشكل صارخ في ادق المساحات الوحيدة المتاحة نسبيا للعراقيين وبالاخص للمثقفين منهم .
ان تعاطي العاملين في هرم السلطة القضائية , مردُّه الى قدرتهم على الصمود بوجه المتغيرات السياسية الحاصلة في البلاد,وقد تحصلوا على هذه الديناميكية والمرونة من خلال قوانينهم , وبالاحرى الاسس الدستورية التي قامت مؤسستهم وسلطتهم المطلقة عليها .
فلمن لايعلم فان السلطة القضائية (في غفلة من الزمن) كانت هي من صاغ المواد الدستورية الخاصة بتشكيلها , بحيث تمكن متزعموها من ان يفردوا مواد دستورية حصرية تمنحهم لوحدهم الحق في احداث التغيير في هيكليتهم , ولادور للبرلمان او لأية سلطة الحق في التدخل لتغيير هذه الهيكلية .
ان تمادي السلطة القضائية في سحق البقية الباقية من حرية الرأي المشوهة بالاصل , من خلال شمول تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي بجرائم النشر , تعد علامة سوداء لهذه السلطة ,وقطيعة حقيقية مع تطلعات العراقيين في حماية حرياتهم , وضرورة حتمية لثورة عارمة عاصفة للوقوف بوجهها بعد ان باتت تعمل بلا رقيب ,بشكل مستفز للطبقة الاجتماعية والاقتصادية الاكثر حاجة للقضاء كحام لحرياتها وحقوقها المهضومة , وهو ذات القضاء الذي افلت منه عتاة الارهابيين وعتاة سراق المال العام وعتاة الدكتاتوريين , القضاء الذي لم ينتصر لكرامته حين صدق على صحة انتخاب نائب قاض كان يوزع الرشى علنا (على عينك ياتاجر) بل لم يصدر من جثة القضاء اي رد فعل حول الموضوع يشير الى انه كتلة حية تنبض.
لقد استغل زعماء المؤسسة القضائية قدسية استقلال القضاء ليبطشوا بمن ليس لهم اي نفوذ سوى اقلامهم , لصالح الساسة الفاسدين المرتعبين من النقد ,وهو مالم يكن في ذهن المشرعين في كل العالم لعبارة استقلال القضاء , فاستقلالية القضاء وضعت بالاساس لحماية القضاة من ظلم ذوي النفوذ , لالحماية المؤسسة القضائية من المسائلة ومن تشويه الحريات وحجبها لصالح المتنفذين.
والانكى من ذلك ان استقلالية القضاء كانت لابعاد السياسيين من تمزيق الخرقة التي تغطي عين القضاء وهو يمسك بميزان العدالة ,في صورته الذهنية المعروفة , واذا باستقلالية القضاء عندنا تتمثل بحرية القائمين على المؤسسة القضائية على ربط عربة القضاء بالاحصنة السياسية الرابحة . 
ان نظرة واحدة الى ماسببته السلطة القضائية من ازمات سياسية واجتماعية للعراقيين في ظل قيادة جاثمة لاتتغير ولاتوجد ادوات لتغييرها , لكفيلة في ان نقول بضمير مرتاح :ان الجزء الاكبر من معاناة شعبنا ,كانت من هذه السلطة التي حطمت معايير العدالة , , , وكان شغلها الشاغل ايقاف عجلة التغيير وكبت الحريات والرقابة على الرأي وتحدي مشاعر العراقيين وخنق عبراتهم وعباراتهم وتعبيرهم , وسد منافذ تنفيسهم عن غضبهم تجاه الاعوجاج والظلم والفساد والدكتاتورية .
فاذا كانت قد فاتت على العراقيين حلاوة القيام بثورتهم لاسقاط الطاغية , فلايجب ان تفوتهم فرصة تاريخية للوقوف بوجه من يسعون لتشويه منصة القضاء العراقي بجعله عدوا للحريات , بثورة حقيقية تعيد العراقيين الى مصاف الامم المتحضرة الراعية للحريات .
لقد يئس العراقيون من ان يقوم قضاة اصلاحيون بتقويض التسلط باسم القانون والقضاء واستقلال القضاء , او بان تصلح المؤسسة القضائية نفسها بنفسها , لذا فان الثورة ضد ظلم القضاء وضد سلطته التي بات لايحدّها شيء ولا وازع , اصبحت ضرورة حتمية لكل من حولوا استقلال القضاء الى استغلال القضاء .
ان اعادة التوازن واصلاح ميزان العدالة العراقي المعوج لكفيل بالقضاء على الكثير من مظاهر الفساد واستغلال النفوذ والتلاعب بحقوق المواطنين الدستورية .
ان على المثقف العراقي (وهو المعني الاول بالحجر الفيسبوكي ) ان يبادر بالوقوف موقفا صلبا بالضد ممن شوهوا القضاء العراقي , اما السكوت على الاحكام الجائرة , فلن ينتج عنه الا الخراب والدمار للعراقيين الذي فقدوا (بفقدانهم للعدل) اخر امل في نيل حقوقهم . والله الموفق