المنطق في الأعجاز القرآني (2)

3 - الأنفجار (الأنفتاق )العظيم وتكون الكون وانفصال الأرض :
قلنا ان الأعجاز العلمي هو إخبار القرآن بحقائق لم يكن بالأمكان فهمها وادراكها في وقت النزول،ولكنها تتجلى وتتضح بتقدم العلوم ،وهذا يشهد على صدقه فيما أخبر به عن الله وان الله سيكشف عن نفسه بقدرته الأعجازية في خلق الكون وان العلم هو وسيلة الأنسان للتقرب من معرفة الله ،اذن ليس مصادفة ان يكون اول كلام منزل في القرآن هو : 
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) (العلق )
فرغم ان الأنسان ابتدأ من خلق بسيط ،الذي هو نقطة دموية متعلقة بجدار الرحم لاحول ولاقوة له (العلق)، ثم يصل به الله الى ان يبلغ مراتب العلم والقوة ، ولكنه لايشكر، بل انه سرعان ما ينسى نشأته الأولى ويطغى .
لقد كانت النظرية السائدة حول أصل الكون قبل "الانفجار العظيم" تستند إلى حالة الاستقرار التي تعني أنّ الأكوان كانت موجودة منذ الأزل من دون بداية تتطلب سببا للوجود. ولكن، الدليل الجديد، هو دليل العلم القائل بأنّه كانت هناك بداية لكوننا ،وهذا مطابق ما ذكر في القرآن من ان الله سبحانه خلق الكون .
كما ان رسالة الله ، تبلغنا بأنّه خلق للإنسان مكانا خاصا ً ليعيش فيه ويزدهر ويكون على تواصل معه وهو الأرض ، وأنه يريد أن تكون لنا علاقة به وانه يراقبنا ويقييم تصرفاتنا حتى عندما نبتعد عنه عند شعورنا بالمكابرة الفارغة (الطغيان) .
أ - نشأة الكون : 
يقدم العلم نظرية الأنفجار العظيم للبلجيكي جورج لومتر، 1930م ،الذي كان استاذا ًجامعيا ً للفيزياء وعالم فلك ،وهي النظرية السائدة لنشأة الكون ،وذلك قبل 13.8 مليار سنة ،وقد اعتمد اطارها العام على النظرية النسبية لأنشتاين ،وهي تصف وتفسر التطور العام للكون منذ تلك اللحظة ، لم تقدم النظرية الى اليوم معلومات عن اللحظات الأولى للأنفجار أو ما سبق ذلك ،وبالتالي لاتقدم شيئا ً عن الحالة الأولى للكون .
ان النظرية مبنية على ان : (الذرة الأولية أو البيضة الكونية إنفجرت بما توفر لها من طاقة لانهائية ، مولدة الكون ،وبعده صاغ فريد هويل ،الذي يعد ابرز علماء الفلك في القرن العشرين ،صيغة الأنفجار العظيم ، ومن اهم ما توصل اليه الفريد هويل :
(ان المواد البايلوجية بما تحويه من قياس ونظام لابد ان تكون ثمرة تصميم ذكي ، ورفض فكرة نشوئها بشكل تلقائي ) .
عام 1964م التقط العالمان بانياس و ويلسون مصادفة ،وفيما كانا يبحثان اسباب التشويش على اتصالات الأقمار الصناعية ، موجات راديوية منبعثة من جميع ارجاء الكون لها نفس الخصائص الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه ولاتتغيير مع الزمن او الأتجاه فسميت (النور المتحجر ) والذي ثبت انه النور المتبقي من الأنفجار العظيم ،وحصلا إثر هذا الكشف على جائزة نوبل للعام1978م ، وفي سنة 1989م ارسلت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا قمرا ّ عكس بعد ثلاث سنوات معلومات دقيقة ايدت نظرية الأنفجار العظيم وقد سميت تلك المعلومات في وقتها بأكتشاف القرن العشرين .
وكان القرآن قد ذكر هذا بالتفصيل :
(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (30) الأنبياء . 
الرتق في لسان العرب هو عكس الفتق ،ورتق القميص خاطه ،ورتق الفتق : سدّه ولحمه ،ان الرتق يعطي دليلا ً على وجود اثار مسبقة لصور الأنفصال الجديد وهذا هو التصميم الأولي للكون الذي سبق الأنفجار العظيم . وهذا يعني ان السماوات والأرض كانتا جزءا ًواحدا ًولكنه مخطط ومصمم الى ان يصبح بحال جديد بعد فتقه بمهارة وتصميم ودقة عالية ، وهي الحقيقة المثالية لما هو عليه الكون اليوم من بديع صنع الله وقدرته الباهرة ،وليس كما يذكر العلماء من انه انفجار، فالأنفجار يكون عشوائي ولايولد نظام ودقة متناهية ومسيطر عليها من الخالق بقوانين ونظم متناهية الدقة ،ومن الأصح ان نطلق عليه وفق التعبير القرآني ( الأنفتاق العظيم ) .
أن الحسابات تقود العلماء الى ان الكون جاء من الصفر وبوجود طاقة بكميات لانهائية ، فلابد وأن يكون قد جاء من العدم ،إذن لابد وأن يكون هناك خالق لهذا الكون أوجده من العدم . 
ب - توسع الكون بشكل مضطرد :
يقول الفيزيائي والفلكي الأنكليزي البروفيسور ايدنجتون : (ان مثال النجوم والمجرات كنقوش مطبوعة على سطح بالون من المطاط ،وهو ينتفخ بأستمرار ، تتباعد جميعها عن أخواتها بحركاتها الذاتية مؤدية الى توسع الكون بأستمرار ) . وقد اصبحت ظاهرة التوسع الكوني من المتفق عليه اليوم بعد ان أيدت مجموعتي بحث دوليتين ذلك عام 1998م .
وهذا يتضح في قوله تعالى :
( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (47) الذاريات . 
ج - نظرية الأنسحاق الشديد :
وبنفس الطريقة يمكن ان يعود الكون الى ما كان عليه اولا ً
وهي نظرية "الانسحاق الشديد" الذي به ينتهي الكون، وتفترض النظرية أن التوسع الحاصل للكون بسبب طاقة الانفجار العظيم ستتبدد وتنتهي بعد مدة من الزمان، وستبدأ طاقة الجذب المركزية في لملمة أطراف الكون إلى أن يعود كما بدأ .
،وهو مصداق لقوله تعالى : 
( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) (104) الأنبياء .