أمريكا وديمقراطيتها وجريمة عصرها

لم يكن الوقت والزمان والمكان صبيحة الثالث عشر من شهر شباط عام 1991 يوما عادياً في حياة العراقيين وتحديدا أهالي مدينة العامرية وملجأها الذي حمل الرقم " خمسة وعشرين " وبدلا من أن يستيقظ أبناء الحي على صيحات الديك فجر كل يوم ، كانت قنابل الطائرات الامريكية غير التقليدية على موعد معلوم وقدر مشؤوم يقض مضاجعهم ويسلب ما تبقى من احلامهم ويجهز على براءة ضحكات أطفالهم ، حيث ينام الملتجئون إلى الأمان.
كانت أصوات الانفجارات الصاخبة والمدوية تجوب شوارع العامرية ، اما أهلها وضيوفها فكانت الحرائق تلتهم أجسادهم وتبتلع لعب أطفالهم ، فلا منجد يدخل ولا طالب نجاة يخرج ، لان مأواهم الذي احتموا فيه كانت جدرانه مصممة لتعزل دوي الموت وصوت الانفجار عن سمع الأطفال وبصرهم فعزلت عنهم طلب الاستغاثة ، فكانت المنية والقدر على موعد ليزهق أرواح اكثر من اربعمائة شهيد على يد أصحاب الإنسانية وصدرها الرؤوم والمتعالية أصواتهم دفاعا عن حقوق الانسان ، التي لم تلمس الإنسانية من شعاراتها وديمقراطيتها سوى الزيف والخداع والتضليل من اجل التدخل في شؤون غيرها .
 الولايات المتحدة الامريكية هي رأس الجريمة والإجرام بحق شعوب العالم والإنسانية، وأكثر دولة في العالم تملك سجلاً أسود في العدوان على أمم الأرض وشعوبها، وهي أول دولة تستخدم أسلحة الدمار الشامل في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، وهي أكثر دولة في العالم تملك رصيداً من أسلحة القتل المحرمة دوليا، وهي أكبر دولة تملك ترسانة عسكرية، وأكثر دولة تحتفظ بقوات وقواعد عسكرية خارج حدودها. واكثر بلدان العالم غزوا وتدميرا وتشريدا للإنسانية.
 
إن الولايات المتحدة أكثر دول العالم بعد الكيان الصهيوني تدوس على الأعراف والقوانين الدولية، وكل ممارساتها تتنافى مع أبسط القيم السماوية والأعراف الدولية، وهي تمثل أبشع نظام استغلالي في العالم، لا يهدف إلا الاستيلاء على الشعوب وامتصاص خيراتها.
اما الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تدعيها الإدارات الأمريكية، فما هي الا للتغطية على ممارساتها وأعمالها الإجرامية بحق الإنسانية، وأن ما تقوم به من عدوان يومي على الإنسانية ومنجزاتها الحضارية، وحقها في الحياة الحرة الكريمة، لا ينتمي إلى هذا العصر الذي نعيش فيه.
جريمة ملجأ العامرية التي كانت جريمة عن قصد وسابق تخطيط، كما هو احتلال العراق اليوم ، ستبقى وصمة عار على جبين البيت الأسود واسياده ومجلس شيوخه ونخبه وادارته العسكرية والمدنية التي تنادي كذباً وزورا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، فأطفال العراق الذين حرمتهم الهمجية الأمريكية من الحياة، سينامون قريري العيون، اما امريكا قاتلة الشعوب ووجهها القبيح الذي يسيل دما اسود ، فان هيمنتها وعظمتها  لن تستمر، نكالا على  ما اقترفته أياديهم الملطخة بدماء البشرية من جرائم ، وحتماً ان عدالة السماء في انتظارهم، ولا بد من اليوم الذي يجد فيه البرابرة الأمريكيون قصاصهم في الدنيا والآخرة .
لم تكتف أمريكا بجريمة العامرية ، بل جعلتها بوابة مفتوحة للعراقيين ومقبرة لا تغلق الباب بوجه زائريها الذين يسقطون برصاص غدرها الذي يدفع من جيوب وخزائن الامة التي ابتلينا بخونتها ومرتزقتها وتجار حروبها الذين شاركوا في أبشع جريمة عرفتها البشرية وعصرها الجديد