العبـــادي في مواجهة طيور الظلام

بعد ان خرج بخفي حنين من مباحثات تشكيلة الحكومة الاخيرة, فخُلع بعملية قيصيرية واعطي منصبا شكليا يحميه من المحاسبة على جرائمه, كان من المتوقع ان يتحول الى عنصر شغب ضد الحكومة الجديدة التي يراسها رفيقه حيدر العبادي , انه نوري المالكي رئيس الوزراء السابق الذي شكل عنونا رئيسيا لمعظم الازمات والمشاكل التي مر بها العراق خلال السنوات الماضية.



لعبت الاقدار دورها في وصول المالكي الى اعلى هرم السلطة في العراق, فقد كان لرفض كتل سياسية مهمة لاستمرار سلفه ابراهيم الجعفري كرئيس للوزراء بعد ان تسنم المنصب لفترة انتقالية كانت وبالا على العراقيين واشتعلت بها شرارة الحرب الطائفية التي احرقت الاخضر واليابس, جاء المالكي ليمثل دور رجل الاطفاء الذي سيخمد الحرائق بعد ان كان جل حلمه ان يكون مديرا للتربية او قائمقام في مسقط رأسه "طويريج".



وفعلا فقد كانت هناك رغبة امريكية بالقضاء على الميليشيات الطائفية الزمت المالكي بضربها تزامنا مع المعارك التي انهت تنظيم القاعدة على يد الصحوات التي شكلت في المناطق الغربية, الامر الذي مهد الارضية المناسبة لامن نسبي عاشه العراق لفترة قصيرة توجت بانسحاب امريكي من العراق.



لكن لم يمر سوى ايام على ذلك الانسحاب حتى خلع المالكي القناع وبدأ بتصفية شركائه في العملية السياسية بدءً من طارق الهاشمي تحركه في ذلك رغبة طائفية بالانتقام, ونزعة دكتاتورية بدأت تنمو برأسه بدفع من المحيطين به والمستفيدين منه, فاخذا جلاوزته يزجون بالاف الابرياء في السجون وبدأ الامن يتراجع حتى جنى المالكي ثمار سياسته الهوجاء بسقوط نصف مساحة العراق بيد تنظيم داعش, وهو ما مثل الكارثة التي قصمت ظهر المالكي واطاحت به من رئاسة الحكومة بعد ان ضاق الجميع ذرعا بسياساته الرعناء وتصرفاته التي اراد من خلالها اعادة انتاج القائد الضرورة لكن بصبغة ايرانية.



حرص المالكي على الحصول على منصب يبقيه في واجهة الاحداث وتحميه من الملاحقة القضائية على الجرائم التي ارتكبها, فاستثمر هذا الوجود لممارسة دوره الجديد الذي يبدو انه كرس نفسه له وهو افشال الحكومة الجديدة بهدف خلق شكوك بشان قدرتها على قيادة البلاد في مرحلة حرجة هو من اوصلها اليه, وبغاية اخرى هو العودة الى منصبه في الانتخابات المقبلة كون الدستور لا يمنع ذلك, فالمالكي يعمل على استغلال السنوات الثماني التي قضاها في السلطة, وهيمنته على المؤسستين العسكرية والقضائية لوضع العصي في عجلة اي تقدم قد يحسب للعبادي, اضافة الى ميليشياته التي شكلها "زعيم دولة القانون" ولازالت تدين له بالفضل والولاء وفي مقدمتها ميليشيا العصائب.



ان الاصلاحات التي بدا بها رئيس الحكومة حيدر العبادي عهدته الوزارية تحتاج الى حماية من العابثين الذي تمتد اياديهم في الظلام لاعادة رسم المشهد وفق ما تريده نفوسهم المريضة, هذه الحماية تبدأ من سن قانون تحديد ولاية رئيس الوزراء بالتعاون مع مجلس النواب لوأد احلام المالكي بالعودة اليه, اضافة الى التعاون مع رئاسة الجمهورية لكبح جماح المالكي, وتقليم اظافره في كل مؤسسات الدولة, مع فتح الباب لاي شكاوى تدين المالكي واتباعه, وايصال رسالة الى نوري المالكي مفادها "كفاك عبثا بالعراق وشعبه واقنع بما انت فيه فان الياس احدى الراحتين".