الصعود إلى الهاوية .. البدايـــات والطريـــق إلى المجــد ثــم الســقوط المريــع


المشرق:

هل هنالك أروع من حياة الاسكندر الكبير الذي ملأ حياته منذ شبابه الأول بالانتصارات وكاد أن يحتل العالم، لكنه تراجع ودفع الثمن في النهاية؟.. ونابليون، ألم يكن حلمه أن يكون اسكندر آخر، فإذا به ينتهي إلى مأساة بعد انتصارات؟ وإذا تطلعنا في ثورات العبيد فلسوف نجد سبارتاكوس، ذلك الذي ثار على امبراطورية الرومان (اميركا ذلك الزمان) ونجح ووصل إلى بوادر الحرية التي عشقها، لكنه هزم في النهاية.. ثم البطل هنيبعل ابن قرطاجة التي أسست فوق تراب تونس، حارب الرومان وذهب إليهم قاطعا جبال الألب، كسب معارك لكنه هزم في النهاية.. وإذا تطلعنا إلى الأمير فخر الدين المعني وهو أكثر أمراء لبنان دويا، ربح معاركه ومالق العثمانيين وتحالف مع أوروبا لكنهم خافوا منه فأمسكوه وأعدموه. وفي ركن من التاريخ قدم هتلر عرضا لا يشبهه أي عرض، حاول أن يحتل الكرة الأرضية ومن عليها، كبر كثيرا إلى أن كانت النهاية المفجعة، وكذلك حال موسوليني الإيطالي صاحب الحزب الفاشي الذي حكم إيطاليا طويلا وكان بدكتاتوريها الذي لا يعجم له عود إلى أن جاءت نهايته مأساوية أيضا.موضوعنا إذن يحمل عنوانه الحقيقي “الصعود إلى الهاوية”.. البدايات والطريق إلى المجد ثم السقوط المريع، وهو ما يؤكد صحة نظرية الفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران بقوله ليس مهما كيفية الوصول إلى القمة بل المحافظة عليها، وتلك من الصعوبة بمكان كما نحن نضيف. لكل بداياته، ولكل نهاياته. ومن يهمنا هو النهايات التي تسمها حياة مليئة بالتجارب مغلفة بطموح يصل إلى حد الطمع بالحياة، لكن البعض تأسره ظروف محددة.
الاسكندر الكبير
هذا الشاب الصغير الذي ورث الحكم عن أبيه فيليب تمكن في سن مبكرة من أن يحقق أحلاما عجز عنها الكبار، إذ لم يصل عمره إلى الثلاثين تقريبا (مات في سن 32 سنة) حتى كان العالم القديم الممتد من سواحل البحر الأيوني وصولا إلى سلسلة هضاب الهيملايا قد أصبحت بحوزته.. تتلمذ على يد أشهر الفلاسفة اليونانيين أرسطو، لكنه كان كأبيه حالما بأن يحتل العالم وأن يصل إلى نهايته وكذلك البحر الخارجي الكبير.. ساعده في حلمه جيش قوي أسسه والده، فقاده في فتوحات كبرى كان أولها حملته على بلاد فارس فتمكن من دحرهم وقام بطردهم إلى خارج آسيا الصغرى ثم شرع في انتزاع ممالكهم الواحدة تلو الأخرى في سلسلة من الحملات العسكرية دامت عشر سنوات تقريبا تمكن خلالها من كسر شوكة الجيش الفارسي الذي كان يعتبر أكبر الجيوش، حيث قابل امبراطوره داريوس وكان تعداد جيشه خمسمئة ألف تقريبا فكسره وهرب الامبراطور الفارسي حيث وجد لاحقا مقتولا بعدما خانه حراسه وقادته. دخل الاسكندر مصر التي كان يحكمها الفرس آنذاك، فرحب به المصريون واعتبروه محررا لهم.. وهو الذي بات معروفا قام بإنشاء مدينة الاسكندرية ويعود اسمها له واتخذها عاصمة لملكه الواسع. لكنه بعدها قام بغزو الهند في محاولة لاكتشاف حلمه الأكبر، إلا أنه حدثت مشادة كبيرة بينه وبين قادة جيوشه الذين ألحوا عليه بالعودة أدت إلى تمرد الجيش عليه.. أحد أبرز الأفلام التي روت قصة حياته وقد كتب الفيلم وحقق عدد من فاهمي التاريخ اليوناني، أن الاسكندر كبر كثيرا وتعاظم إلى الحد الذي يذكره التاريخ على أنه فاتح كبير وصاحب طموحات لا تحد، وبرغم سنه الصغيرة اذ بدأ الحكم في (16 سنة فقط) إلا أنه سارع لتنفيذ أحلام أبيه وهكذا كان.. وكلما ذكر كبار قادة التاريخ تطلع الناس إلى الاسكندر باعتباره أبرزهم. أما موته فحوله الكثير من العلامات، أبرزها أنه مات مسموما من قبل قادته الذين ملوا طموحاته وأفكاره الجديدة التي كان عنوانها الدمج بين الحضارات. وبعد موته انفرط عقد دولته وأصبحت دولا لكل منها قائد من القواد الذين كانوا إلى جانبه حتى لحظات وفاته، وقد سئل يومها حول من يحكم من بعده فقال “الأقوى”. انتهت حياة حافلة بالمجد والتطلع إلى حكم العالم، مات صغيرا وقيل إنه مرهف الحس لكنه هوى في لحظة وصوله إلى طريق مسدود.
سبارتاكوس
تلك الثورة التي حملت اسم سبارتاكوس من أبرز ثورات التاريخ، بل هي أول مدرسة في ممارسة حرب العصابات التي عرفناها لاحقا. يطلها كما رأينا فيلمه أو كما قرأنا قصته، تفتح على سبارتاكوس العبد المرتزق في الجيش الروماني، ويقال إنه هرب وبعدها أسر وتم بيعه كعبد لكنه تم تدريبه في مدرسة كانت تابعة للرومان كانوا يدربون فيها العبيد أصحاب الأجساد القوية. سنة 73 قبل الميلاد تمكن سبارتاكوس من تحرير نفسه ومعه سبعون رجلا من العبيد بعدما استولوا على سكاكين المطبخ وقاموا بالتحصن في أحد الجبال إلى أن لحق بهم عدد كبير من العبيد يقال إن عددهم وصل إلى أكثر من مئة ألف، فكونوا جيشا رهيبا تمكن من دحر جيش الرومان في أكثر من معركة، كما أنه تمكن من الاستيلاء على جنوب إيطاليا وقام بالتأثير على الحياة الاجتماعية لروما آنذاك التي وجدت نفسها أمام فضيحة كبرى كان عليها أن تعيد النظر بحساباتها فقررت تشكيل جيش كبير بقيادة أفضل قادتها ويدعى كراسيوس.. ورغم أن جيش سبارتاكوس حاول الإغارة مرات على جيش غريمه إلا أنه لم ينجح في القضاء عليه، بعدما حسب هذا الأخير حسابات من هذا النوع. وبعد معارك طاحنة بين الجيشين تمكن كراسوس من هزيمة الثوار حيث قام بقتل سبارتاكوس وصلب أكثر من ستة آلاف عبد من الذين تم أسرهم في المعركة. وهكذا كتبت النهاية المأساوية لهذا العبد الثائر الذي عندما درسنا ظروفه وجدنا أنه أول محاولة ثورية في التاريخ تقريبا كان يمكن أن يقيض لها النجاح لو أنها امتلكت برنامجا ثوريا، لكن بقاءها كثورة بلا محتوى جعلها تنتحر رويدا إلى أن تم الإجهاز على قائدها فسقطت نهائيا.
هنيبعل أو حنبعل
يعرفه أهل المشرق جيدا، وإن كان أهل قرطاجة التونسي يعرفونه أكثر.. وقبل التعرف على هذا القائد الذي علا كثيرا ثم هبط، لا بد من تذكر أن قرطاجة أسستها أليسار إحدى الملكات انطلقت من صور هربا لتجد نفسها على شاطئ غريب ما لبثت أن أسست عليها مملكة بحجم جلد ثور تحولت بعدها إلى مملكة عظيمة لعبت دورا كبيرا في محيطها، وكان أبرز ما أعطته هو قائدها هنيبعل أو حنبعل كما يحب البعض أن يسمى والذي هدد أكبر امبراطوريات عصره، روما، حين انطلق عليها على رأس جيش كبير قاطعا جبال الألب فوق عدد كبير من الفيلة وتمكن من أن يهز العصب الحقيقي للرومان، حيث حقق ثلاثة انتصارات كبيرة على أكبر جيش في ذلك العصر، وخلال 15 عاما احتل حنبعل معظم إيطاليا مع ذلك اضطر إلى أن يعود لمواجهة الغزو الروماني لشمال إفريقيا.
في تفاصيل معاركه مع روما كبرى امبراطوريات ذلك العصر أنه خاض أول معركة حسمها لصالحه بعد الاعتماد على ما نفذه جنود حنبعل في المعركة.. فما كان من روما إلا أن وجهت جيشا ثانيا ضخما لمسح الهزيمة الأولى، فاعد لهم هنيبعل كمينا محكما تمكن من الحاق الهزيمة بهم، وكان يردد في نشوة انتصاره قولا ثبتت صحته عبر التاريخ: “إذا أحرزت نصرا انضم إليك الجميع حتى خصومك، أما إذا حاقت بك الهزيمة تخلى عنك حتى محبوك”. وفي مراحل لاحقة حاول الرومان مقاتلة جيوش هنيبعل إلا أنها باءت بالفشل ..
لقد أسقط حنبعل هيبة جيش كبير وعظيم كان في وقته مخيفا لم يفكر أحد بالاقتراب منه ولو على سبيل المصافحة فقط فكيف بالعداوة والقتال الذي مارسه حنبعل بدقة عبر الكثير من الأفخاخ الذكية التي أحبطت كل محاولات الرومان في القضاء عليه.