رؤية في الصراع الثقافي... |
الثقافة تلك البقعة المنسية في ذاكرة الوطن ..التي تتمزق ألما لما حل بها ..وتتآكل جدرانها النفيسة عبر موجات من العواصف المدمرة التي تتغذى على تاريخ متهرئ ممتلئ بقيح الموت ورائحة الطعنات وهمهمات الرموز عالية الجناب المزيفة ..موجات ملطخة بالدم والقهر والكبر ..وتدعو علنا وسرا إلى مصادرة صوت الإنسان وحريته والتزامه ..وتغطي عبر صفحات متعددة وأغلفة متنوعة وبطرق لاهوتية عمليات غسل قسري لأفكار الناس وتطلعاتهم وتنسف كل القيم التي يؤمنون بها ..وتعتمد كذلك سياسة رد الفعل القاسي والغليظ لقهر أصحاب الرأي .....ويقف إنصاف المثقفين والمرتجفين من الحقيقة إلى صف تلك الثقافة فورا ودون مقدمات ويبدؤنا بالدعاء إلى قادتها بالخير والبركة والسؤدد ويخلعون عليهم ألقابا مقدسة ويصنعون لهم تاريخا وكأنهم يتغذون على مفاهيم القيم الإنسانية ويرتعون في مضامير الوجدان والزهد والحب ..وان تاريخهم يصنع بفذلكة رهيبة تجعلهم وكأنهم ذوي تاريخ ناصع البياض وحافل بالحب والإنسانية ..أناس بلا أخطاء طوال حياتهم ..وهم متوهجون أكثر من الحب وملتزمين بحدود قاطعة للعدل والحرية والبناء ..كما هم متجاوزين بالفطرة عناوين الضلالة والذم والسوء...وبالتالي أصبح هؤلاء هم الأدوات الحقيقة التي تزحف بتؤدة مذهلة في كيانات العقل البسيط للإنسان وتحول طريقة تفكيره وسلوكه إلى ذاكرة وقاعدة مثقوبة لا ترتقي إلى تاريخ امة تحيط أثارها الحضارية عيون أبناءها أينما ذهبوا....أن مافيا الثقافة لا تزال تسير وفق منهجها التعسفي القاتل المانع بشكل حاد لصوت الحرية والعقل والالتزام ..ولاتزال تدعو إلى رجم جماعي للآخرين وتتهمهم بالكفر والرذيلة والفسق ......فهل في مثل هذا المعترك وضمن السياق الحياتي السائد ووفق هذا المنهج الذي يشتبك مع الموقف الرسمي إن تتعافى الثقافة الحقيقة والمتنوعة وتترجم واقع الأمل والحياة لشعب يعشق الحضارة والثقافة وله ولع غريب بالإبداع ..ومتيم بولعه هذا حد الإسراف المذهل ..بل يتصرف بغرابة وبقسوة مع ذاته والآخرين حتى يصل إلى إبداعه ...عموما إننا ندرك إننا نقع في إشكالية ثقافية غاية في التعقيد ضمن أطار كفتين.....الكفة الأولى تيار هائل يتغنى بالتخلف والجهل ويعتمد الشذوذ التاريخي المنتقى من عجائب أساطير التاريخ الضحل معززا بقوة كبيرة من سيوف الأجداد والإتباع ..ويعمل أعوانه بنهم غريب ومتخم حد الثمالة في ثقافة التناحر والتنافر وهم بذلك يشكلون عقبة حديديه وجدارا مظلما إمام إي توجه ثقافي وطني ينسجم وطبيعة المعايير الوطنية التي تدعو إلى بناء الإنسان وفق النهج الوطني الاعتباري .....ويقف إمام هذا التيار الوحش (قائد التخلف والهمجية وقاتل الحرية)..مجموعة أشخاص دون حماية ويقاتلون بسيوف من خشب ودروع من حرير ..لا يمتلكون سوى القلم والكلمة والفكرة البناءة يترددون من وقع خطواتهم وينفرون من الهمسات ويتحسبون لنظرات الآخرين ويدركون تمام الإدراك أن أيامهم ليست طويلة وان موتهم مخروم بالتأكيد ..فأن تكلم فأن السيوف ستأخذه على حين غرة وان ادعى الصمت فأن الألم سيقتله دون شك ..لكن الأمل يبقى ينبض في قلوبهم ويدفعهم بقوة مذهلة نحو البوح بمكنونات قلوبهم وعقولهم من حقائق الإبداع والحب والصمت المعادل لهوس الصراخ المجنون ....أن طغيان الشعور بالحرية والبناء الحقيقي للإنسان والوطن هو الهم الحقيقي للمثقفين لذا تراهم إنهم يدركون إن كلفة البناء التأسيسي للثقافة الناصحة غالي الثمن ومن ثم على البعض منهم أن يتكفل هموم الإصلاح العام فأي مهمة مركبة وشاقة تلك وأي مسؤولية كبيرة ينوؤن تحت ضغطها الهائل وأي تحد قاتل سيواجهون ...ولكن رغم تلك المشاكل الكبيرة والتحديات البالغة الصعوبة إلا أنها لم تقف إمام طموحات ورغبات امة المثقفين وعالمهم المتجدد..بل يبدو أن همة المثقفين وحصانتهم تزداد بوتيرة عالية كلما ازداد البؤس والشقاء والخوف والتخلف فالصراع قائم بين سيف التخلف وقلم المثقف منذ بداية التاريخ والى يومنا هذا وان معالم نصر احدهم على الأخر لم تتضح بعد وان كان صوت المثقفين يدرك العقل قبل غيره وان أسسه صامدة ورصينة إلى حد كبير وان مسارته واضحة وضوح الشمس إلا أنها عصية شاقة على عقول امتلئت بعقائد فاسدة تكره الحياة وتمجد الموت وفرسانه.
|