حتى عام 1997 لم تتعد معرفتي بالمؤرخ الدكتور كمال مظهر المسموعات! سمعت كثيرا عن علميته وموضوعيته وشجاعته أيضا.. لكن.. أن تسمع شيء وان ترى وتلمس شيء مختلف تماما! في آذار عام 1997 أجريت حوارا مطولا مع مظهر لحساب صحيفة أسبوعية تصدر في بغداد.. وبقدر ما فاجأته أسئلتي بحراجتها وإحراجها أدهشتني إجاباته لما فيها من جرأة وصراحة وشجاعة!! قال، يوم كان القول يوزن ألف مرة، وينقح مليون مرة قبل أن يطلق، إن السلامة الفكرية على الرسائل والأطاريح الجامعية أشبه بصكوك الغفران في العصور الوسطى! وقال أيضا: أنني لن أعين رئيس قسم في كليتي لا لسبب سوى أنني كردي! وقال يوم كان هذا النوع من الكلام محرما: أدعو صدام حسين إلى فتح صفحة جديدة من الحوار مع القيادة الكردية لمصلحة العراق! تعمقت علاقتي بالدكتور مظهر فكنت أزوره في كل عيد، وأعوده في كل مناسبة تستحق العيادة، ومن خلال ذلك عرفت عنه الكثير مما لم يعرفه الآخرون! مرة تعرض مظهر لإساءة من ضابط مرور، وترك ذلك السلوك المشين من قبل ضابط جاهل جرحا غائرا في نفس العالم المعتد بنفسه أيما اعتداد. قرر حينها أن يغادر بغداد دون عودة لكن الدكتور طاهر البكاء تدخل لدى وزير الداخلية سمير الشيخلي وروى له ما حدث لمظهر فما كان من الأخير إلا أن انزل أقسى العقوبات بالضابط المسيء، ولم يكتف بذلك بل استقل سيارته في اليوم الثاني، وذهب إلى كلية الآداب ليقدم الاعتذار إلى الدكتور كمال مظهر الذي شعر بارتياح كبير من سلوك الشيخلي! وفي موقف شجاع يسجل له قال مظهر مخاطبا عضوا في القيادة القطرية تعرض للكرد بسوء: ارجع لأصولك ستتأكد انك من سلالة غير عربية، فجن جنون الرجل، واحمر وجهه، وطالب مظهر بالوثائق التي تثبت ادعاءه... وإلا...! لا يخفي مظهر انحيازه لأبناء جلدته بل قال مرة ردا على من يأخذون عليه حبه للكرد: من لا يحب قومه لا يحب وطنه! لكن مقولته تلك لم تخفف من غلواء النقد الذي يوجهه له من يرون فيه متعصبا لقوميته شديد الاعتزاز بسلالته وانتمائه، خاصة بعد أن اصدر كتابه الشهير عن تاريخ كركوك الذي عزز اتهامات الآخرين له بـ(التعصب)! من تحت عباءة مظهر خرج جيل من المؤرخين يحمل بعضهم شيئا من خصاله لكن جلهم لا يرتقون إلى علمه وموسوعيته! مرة سألته عن أي الناس اقرب إلى نفسه فقال من غير تردد: انه الدكتور هاشم التكريتي.. رغم أن التكريتي تكريتي ومظهر كردي لكن لا هاشم ارتدى يوما جبة (التكرتة) ولا الكردية عزلت مظهر عن المقربين إليه والقريبين إلى نفسه! في الوقت الذي عرضت عليه القيادة الكردية منصبا رفيعا قبيل الاحتلال كانت سيارته البرازيلي كثيرة العلل تمشي الهوينا فرط ما فيها من علل وأعطال لكنه فضل هواء كلية الآداب وأروقتها وحميمة أحبته فيها على أي مكان آخر في الدنيا!
|