قانون اجتثاث الانتهازية

الانتهازية مدرسة عريقة وقديمة في العراق وتخرج فيها الآلاف من "النوابغ" الذين تمكنوا من التفوق والصعود إلى القمم وعاشوا أزمان وعهود وأنظمة مختلفة لم يمسسهم شر فلا أوقفوا في قضية وطنية ولا سجنوا من اجل مبدأ فالانتهازي في العراق في جميع الأحوال كائن لا مبدأ له!
بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 وهيمنة الحزب الشيوعي العراقي على الشارع الجماهيري وسيطرته المطلقة على الكليات والمعاهد والنقابات والجمعيات انتسب إلى عضويته آلاف الانتهازيين الذين تحولوا إلى مريدين وأتباع مخلصين لماركس وانجلز ولينين أكثر إخلاصا وولاءً من فهد وسلام عادل!!
وانخرطت آلاف أخرى من الانتهازيين في صفوف "المقاومة الشعبية" وآلاف اخرى في "لجان السلام" وبفضل الانتهازيين انتعشت تجارة "المطيرجية" إذ صار على الانتهازي لكي يظهر بمظهر الشيوعي المخلص أن يقتني حمامة بيضاء ترمز للسلام فارتفع سعر الحمام!!
وتحول الحزب الشيوعي من طليعة ثورية إلى حافلة لنقل الانتهازيين وعندما وقع انقلاب 8 شباط عام 1963 كانت أعداد محدودة من الشيوعيين تتصدى للانقلابيين بينما اختفت تلك الآلاف التي سارت آلاف المرات في مسيرات الحزب الشيوعي تردد بحبور "ديمقراطية وسلام يا كريم للأمام" أو الذين ضللوا قيادة الحزب في المسيرة المليونية في أيار 1959 عندما أحرجوها بشعار "ما كو زعيمي إلا كريمي حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي"!!
وقتل سلام عادل واعدم جمال الحيدري وأبو العيس وعشرات المناضلين الحقيقيين بينما تسللت تلك الآلاف من الانتهازيين إلى صفوف حزب البعث والحرس القومي وأخذت "أرضة" الانتهازية تفترس البعث كافتراسها للحزب الشيوعي!!
وعندما سقط نظام البعث في 18 تشرين الثاني أي بعد ستة أشهر من الحكم الصبياني لم يدافع عن سلطة الحزب إلا أنفار من البعثيين الحقيقيين واختفت الآلاف بانتظار حسم الصراع وعندما حسم بانتصار عبدالسلام عارف اندفعت هذه الموجة الانتهازية إلى الانتساب في تنظيم "الاتحاد الاشتراكي" و"لا من شاف ولا من دري"!
وتعاظمت ظاهرة الانتهازية في العراق بعد مجيء البعث إلى السلطة عام 1968 واندفع الآلاف إلى الانتماء للحزب الذي يمسك بيديه الوظائف والقبول في الكليات العسكرية والأمن والشرطة والجامعات!!
وبعد عشر سنوات من حكم البعث كان عدد المنتسبين لحزب البعث أربعة ملايين عراقي بينما كان عدد البعثيين الذين قاموا بانقلاب 17 تموز لا يتجاوز الـ"300" شخص!!
وعندما هاجمت الولايات المتحدة العراق لإسقاط حزب البعث اختفت ملايين الجرذان من صنف الانتهازية ولم يقاوم الاحتلال إلا أنفار من البعثيين الحقيقيين وقتل عدد منهم في مواجهات مسلحة مع القوات الأميركية المحتلة!
ولان تاريخ الانتهازية عريق في العراق ولان الانتهازيين سلالة سافلة ومنحطة لا تنقرض بسهولة وتعيش في كل العهود والأنظمة والأزمان ولان حكام العراق وأحزابه هي التي شجعت على نمو الانتهازية ورعت الانتهازيين ولان هؤلاء وراء خراب العراق منذ 14 تموز 1958 حتى الآن فالمطلوب من الأحزاب الحاكمة والبرلمان سن تشريع قانون لاجتثاث الانتهازية و الانتهازيين وتطهير صفوفها من هذه الميكروبات القاتلة.. إن قانون اجتثاث الانتهازية هو الأسرع مفعولا لإنقاذ العراق وحمايته من أي قانون آخر للاجتثاث!!