العراق تايمز: وكالات..
في اليوم الرابع لسقوط بغداد والنار التي تلف العاصمة العراقية تلتهم آخر معالم الزينة على قصري الرحاب والسجود قرب نهر دجلة، كانت حينها سيارات صغيرة تتسلل في الخفاء إلى داخل المنطقة الرئاسية التي عرفت فيما بعد بـ"المنطقة الخضراء"، وتُقل الشخصيات المعارضة لصدام حسين قادمة من إيران وسورية وأوروبا.
غير أن الرجل الذي فاز منهم بالنصيب الأعظم من وجع بغداد في عهد صدام لم يكن من بينهم، حيث إن فقر حاله جعله يستقل سيارة أجرة لتتركه بعيداً عن منطقة القصور، فيضطر إلى المشي سيراً على الأقدام وصولا إلى الجنود الأميركيين الذين أدخلوه، بعد أن فتشوه، إلى القصر الرئاسي، المكان الوحيد الذي لم يقصف في حرب غزو العراق 2003.
يقول مترجم عمل مع القوات الأميركية في العراق بين عامي 2003 و2007، ويُدعى نادر حسين، "صورة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، الذي ذهب إلى الأميركان، تختلف كثيراً عن صورته اليوم التي تتسم بنظافة ملحوظة لملابسه، فقد تغيّر حاله من بائع سبح ومحابس (خواتم) إلى أغنى رجل في العراق".
ويضيف المترجم، "لم يمض زمن طويل على تلك الحال الرثّة أيام صدام والتي تغيّرت في لمح البصر، إذ سيطر المالكي على زمام الحكم في العراق، ليبني مجداً من مال الشعب وقوته، ويسيطر على ثروات البلد الغني الذي يعاني شعبه من الفقر والبطالة والأزمات المعيشية".
وتابع حسين بالقول "تمكن المالكي من تجنيد العشرات من سارقي المال العام، وزج بهم في كافة دوائر الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، ليحكم قبضته على موارد البلد وثرواته"، مشيراً إلى أنّه "وزع المناصب على رجاله، فمنهم من أصبح وزيرا، ومنهم من أضحى مديرا عاماً، وغيرها من مناصب الكعكة العراقية التي بدأوا بنهشها من كل جانب، غير آبهين بالعواقب".
"ولم تكن الولايات المتحدة الأميركية غافلة عن ذلك، لكنّها أرادت لشلّة حكام البلاد الجدد أن ينغمسوا في السرقة إلى أقصى مدى، لتمسك عليهم ملفات فساد كبيرة أصبحت فيما بعد أوراق ضغط عليهم، لتمرير الأجندة الأميركية في العراق كيفما تشاء".
ويتابع حسين "وفّر المالكي الحماية اللازمة لرجاله، فمنهم من كشفت أوراقه، كوزير التجارة الأسبق عبد الفلاح السوداني، وتمكن المالكي من توفير الحماية الكاملة له، رغم اتهامات بالفساد تلاحقه حول المغامرة بأرواح الشعب العراقي من خلال التلاعب بمفردات البطاقة التموينية، واستبدال موادّها، كالزيت والسّكر، بمواد فاسدة لا تصلح للاستهلاك البشري".
وأشار إلى أن "هذه الصفقة وغيرها من الصفقات مرت بسلام وحماية كاملة من قبل المالكي، وقد جنى من خلالها مليارات الدولارات. ولا توجد إحصائيات رسمية محددة حول ثروة المالكي، إلا أنه وفقاً لمجلة فوربس الأميركية التي تُعنى بشؤون المشاهير، فإن ثروته تقدّر بنحو 50 مليار دولار نقداً، بالإضافة إلى أصول وممتلكات أخرى تقدر بنصف مليار دولار".
من جهته، أكد نائب عن لجنة النزاهة البرلمانية أن "هناك شخصيات سياسية عراقية تمتلك مبالغ مالية أكثر مما جاء في تقرير المجلة الأميركية، وقد حصلت على تلك الأموال من خلال استغلال المنصب، بتسهيلات من المالكي". وأّكد النائب البرلماني، أن "لجنته وهيئة النزاهة تطلب من جميع السياسيين، ومنهم المالكي، تقديم كشف حسابهم الخاص، لكنّهم لا يكشفون عن أموالهم الحقيقية وأرصدتهم خارج العراق، والهيئة تلاقي صعوبة في التأكد من مصادر أموالهم في الخارج، كون الكثير منهم يسمون أموالهم وعقاراتهم بأسماء أخرى".
وأشار النائب إلى أن "المالكي بدّد موازنة عام 2014، والتي صرفها عن طريق السلف، ولم تقر في البرلمان، لكن لم يحاسب عليها، ولم تفتح أي جهة مختصة التحقيق في الموضوع، في ظل غياب تام للأجهزة الرقابية ومؤسسات الدولة المنوط بها حماية أموال الشعب. وحتى الآن لم يعرف حجم الأموال التي حصل عليها هو شخصياً، وكل المعلومات المتوفرة تؤكد أن ثروته تبلغ 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى الأموال التي اختفت من موازنة البلاد في الفترة التي كان فيها في السلطة".
واتسعت دائرة الفساد التي نهشت جسد العراق خلال فترة حكم المالكي التي امتدّت إلى ثماني سنوات، حتى خرج ملف الفساد عن إمكانية السيطرة عليه، ولم تسترد الدولة أية مبالغ من الشخصيات المتهمة.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي، ماجد الصوري، إنّه لولا استشراء الفساد في البلاد، لما تمكن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من دخول العراق".
وأضاف الصوري، أنّه "منذ عام 2003 وحتى أكتوبر من العام الجاري، دخل العراق 640 مليار دولار من أموال النفط فقط"، مضيفاً أنّ "هناك إيرادات أخرى دخلت العراق عن طريق ما تبقى من النفط مقابل الغذاء، وما تم الحصول عليه من الأموال المجمّدة وغيرها". وأوضح الصوري أن "كل تلك الأرقام تصبح بمجموعها في حدود 750 مليار دولار، أي ما يكفي لتطوير أربعة بلدان بحجم العراق، وجعلها في مصاف الدول الأكثر تقدماً في العالم".
وأكد الخبير الاقتصادي أن "الأموال لم تنتج عنها استثمارات في البلد، ولا توجد أيّة إحصائيات لصرفها"، مبيناً أن "الفساد يبلغ تريليون دينار عراقي(مليار دولار) وُزعت على شكل سلف إلى دوائر وتشكيلات إدارية مختلفة في الحكومة، ولم تتم تسويتها"، مؤكداً أن "هناك أرقاماً مذهلة فيما يتعلق بهروب وغسيل الأموال، بعضها يصل إلى 138 مليار دولار هرّبت من العراق إلى دول مجاورة خلال السنوات العشر الأخيرة، وشُكّلت لجان لمتابعتها، لكن بلا نتائج".
ويقول عضو نقابة المحامين العراقيين، سلام جمعة، إن الرجل غارق في الفساد، وأمواله تفضحه، فبذخ زوجته وبناته ونجله بات أمرا واضحا وغير مبرر. لقد خرج بعد ثماني سنوات أغنى رجل في العراق، وهناك دعوى قضائية رفعت ضده بتهم فساد، لكن الكارثة أن منصبه يشكل حماية له، ونحن واثقون أنه سيدخل السجن ولو بعد حين، فبطون الفقراء لها دعاء عريض ومستجاب".
وكان تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير، الذي صدر في كانون الأول 2014، أكد أن العراق من بين أربع دول هي الأكثر فسادا في عام 2014. وبعد عام 2003، أصبحت ظاهرة الفساد في العراق من أكبر التحديات، التي استشرت في المؤسسات المدنية والعسكرية كافة، حسب مسؤولين ومحللين اقتصاديين.
|