كان أحد القرويين يربي في بيته مجموعة من الديكة وبقية الدواجن ، كجزء من هواية ربما تكاد تكون يهوى ممارستها الكثيرون من اؤلئك القرويين طيبي الطباع ، الذين يعيشون على مقربة من المدن ، والذين تشعر ان حياتهم البسيطة هي افضل بكثير من عصور التمدن والحضارة، ولديهم من الحكمة ما يوسع جبالا من المعرفة وتفوق اساطيرهم في بلاغتها ربما فلاسفة ومفكرين في القدرة على التعبير والاقناع!! في احد الايام جاء اليه جاره ليشكيه من ان ديكه الذي كان يصيح صباح كل يوم وفي اوقات مختلفة من الليل والنهار بدأ صياحه يثير استهجان جاره،واراد ان يبلغ جاره ربما استياءه من ممارسات هذا الديك ، الذي كان يمارس الدكتاتورية على بني جنسه من الدواجن، ولم يسمح لبقية الديكة ان يعلو صوتها، فبقي الوحيد في الساحة يوزع صيحات الصباح ليوقظ النائمين منتصف الليل وقبل طلوع الشمس!! وفعلا أبدى هذا الجار الزائر استياءه لجاره من هذا الديك، وقد أبدى الجار استعداده لتخليصه من هذا العناء، فدعاه الجار صاحب الديك على وجبة غداء شهية ، ليرضي بها جاره ويبعد عنه شبح ما قد ناله من ازعاج ربما لصياح هذا الديك، حتى ذبح له ذلك الديك ليقدمه له على طبق من وجبة طعام، كجزء من قيم الضيافة التي كان اباؤنا واجدانا يشتهرون بها في سالف الايام، وقد شكر الجار لجاره مسعاه هذا بأن خلصه من صياح هذا الديك، وعاد الى أهله وهو يشعر ان جاره قد اوفى بدينه معه وقد استراح من صياح الديك!! وما ان وجد الديكة ان هذا الديك قد اختفى من الوجود حتى راح بقية الديكة يصيح كل واحد على هواه، فأستغرب الجار من ان صياح الديكة ازداد هذه المرة، ولو بقي على الديك الأول لكان له أفضل!! جاء الجار مرة ثانية الى جاره يشكوه من ان صياح الديكة الاخرين ازداد بطريقة اثارت استغرابه، فقال له ياجاري : لقد طلبت مني ان أخلصك من هذا الديك، واستجبت لطلبك، وهو من كان يفرض سطوته وسلطته على الجميع، ولم يكن بمقدور الاخرين في حضوره الصياح، وما ان ذبحته اكراما لك واختفى عن ساحتهم حتى خلت لهم الساحة ، فراح كل ديك يغرد ويصيح على هواه، وانت تعرف اني أعيش على هذه الديكة ، فهي مصدر رزقي الوحيد، فهل تريد أن أذبح لك بقية الديكة وتحرمني من هذا الرزق، فأيقن الجار انه كان مخطئا حينما أبلغ جاره استياءه من الديك الاول، ولو بقي عليه لكان أهون، فلم يعد بمقدور جاره ان يوقف صياح بقية الديكة ، لأن لا أحد من تلك الديكة بمقدوره ان يفرض سلطته على الاخرين، وراح كل واحد يمارس الصياح على هواه!! حكمة كبيرة خلفها لنا الاجداد، تمعنوا فيها لترى كم من ديك يغرد الان ، وليس لدينا القدرة على اسكات اصواتهم النشاز، ولو بقينا على الديك الأول لكان لنا أجدى ، ولعشنا بقية حياتنا في أمن وامان واستقرار، لكنها هذه حكمة الله، ولله في خلقه شؤون!!
|