نظافة المدن قاعدة وعكسها استثناء ، وهي مسؤولية أداراتها وساكنيها الملزمة لهم بالقانون ، والمشرع المسؤول عن صياغة القوانين ، يُفترض أنه على دراية بعلاقتها الوثيقة بصحة المواطن قبل دورها في جمالية المدينة ، كي يصل الى صياغة قوانين أكثر كفاءة لأدارة ثروات الشعب . ليس عبثاً أن تُعرف اللغة العربية ( أغنى لغات البشرية في ثراء مفرداتها ) المدن بأنها ( حواضر ) ، اشتقاقاً من مفهوم الحضارة التي يمثل الرقي عمودها ونظافة الضمائرأعلى فناراتها والأبداع أقوى أسسها ، ليكون هذا المثلث المتوازن عنواناً رئيسياً لخرائط وبرامج العمل المعتمدة من الادارات في التسابق نحو التمييز . يتم تخصيص مبالغ للنظافة في جميع مدن العالم ، لكن أصل الأختلاف بينها هو في البرامج والخطط المعتمدة لصرف المبالغ وصولاً لتحقيق النتائج ، وكانت تلك النتائج في المدن العراقية هي الأسوء طوال السنوات الماضية ، بالرغم من زيادة التخصيصات أذا ماقورنت بمثيلاتها في مدن العالم على اسس المساحة وعدد السكان ، وهي احصاءات معلومة ولاجدال حول أرقامها . لقد اعتمدت ادارات المدن العراقية اساليب وبرامج بدائية وغير مجدية ، أدت الى الفشل في تنفيذ مهامها، وكانت التخصيصات المرصودة لنظافة المدن تأخذ طريقها الى جيوب المقاولين وشبكاتهم المنتفعة والجهات التي تمنحهم مقاولات التنظيف ، دون تنفيذ المهام المطلوبة منهم ودون رقابة ولاحساب من الجهات الحكومية ، كأنهم ينفذون أعمالهم على الورق فقط وليس في مواقع العمل . بينما ادارات المدن النظيفة كانت ولاتزال توظف تخصيصاتها الاقتصادية بطرق أساسها شراء (الزبالة ) ، أي أنها تعتمد مفاهيم الاقتصاد التي تعتبر بموجبها أن ( الزبالة ) سلعة لها ثمن ، وثمنها هنا هو تكاليف البرامج المعتمدة في تجميعها ورفعها ونقلها ومعالجتها ، وهي أنشطة تحتاج موظفين وعمال في جميع الاختصاصات ، اضافة الى الآليات ومحطات المعالجة ، فلكل جهد ثمن ووقت ، وتنظيف المدن يحتاج الى ذلك . المطلوب الآن اعتماد مبدء شراء الـ ( الزبالة ) لتحقيق هدف نظافة المدن في العراق ، ونحن نستذكر هنا سنوات الحصار التي اجبرت معامل البلاستك على جمعه باسلوب الشراء ، حتى تحول الى سلعة يبحث عنها الجميع ، فمالضير الآن من اعتماد نفس الاسلوب في شراء ( الزبالة ) من شركات ومكاتب تتخصص في جمعها وفرزها ونقلها الى محطات المعالجة أو الطمر التي تقوم بأنشائها البلديات خارج المدن ، ويتم تسعير أصنافها ( بلاستك ، ورق ، مواد ثقيلة ، بقايا مواد غذائية ، الخ ..) ، ليكون هذا الاجراء باباً مفتوحاً لاستقطاب الكثير من الايدي العاملة ، وستكون الاموال التي تستحوذ عليها شركات التنظيف التي لاتؤدي عملها اصلاً ، كافية لتشغيل الجميع ، وان تم تنفيذ ذلك فأن نتائجه ستتوضح خلال اسابيع في نظافة المدن واستثمار المال العام باسلوب مجدي ومفيد للمواطن والوطن .
|